الرأي

إن في القصاص حياة

نقطة نظام




كم هو مثلج للصدور منظر العدل حينما يأخذ مجراه، وكم هو مريح للنفس المكظومة عندما يرى أهل الشرطي الذي قتل مغدوراً قتلة ابنهم يلقون القصاص العادل، الذي يطفئ النار والغيظ المشتعل في صدورهم، والأكثر من ذلك، أن تشعر أن بلدك لايزال بخير مادام القضاء بخير. والحمد لله رب العالمين.
أمام هذا المشهد، حق لنا أن نقرأ قوله تعالى (ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألبابِ لعلّكم تتقون)، نعم إن لنا في هذا القصاص العديد من العبر والمعاني، فنهاية القتل والعنف إنما عقاب وإثم كبير، فمجتمعنا المسالم، لا يقبل بالعنف، ولا يبرر له، وحينما يصل الموضوع إلى القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإزهاق الأرواح، فإن هناك سلطة قضائية رادعة، توقع العقاب على الجاني وترد الحق لأهله.
إن دماء هذه الروح المغدورة لم تذهب سدى، فهذه الدماء هي عبرة للوطن لن تنسى أبداً، ضحت من أجل أن ننعم نحن وأبناؤنا بالأمن والأمان، وضربت مثالاً كبيراً للتضحية الكبيرة التي يقدمها البعض من أجل الآخرين.
حق اليوم لرجالات وزارة الداخلية أن يرفعوا رؤوسهم، ويرفعوا معنوياتهم، فدماؤكم غالية ولا مساومة عليها، وإن الأيدي المجرمة ها هي تلاقي مصيرها المحتوم.
كل الشكر والتقدير والاحترام لرئيس وأعضاء محكمة الاستئناف العليا على الحكم بتأييد الحكم الصادر بإعدام المتهم الأول في واقعة قتل الشرطي محمد عاصف، وتأييد الحكم بالسجن المؤبد على مستأنفين، وتخفيف العقوبة على ستة مستأنفين إلى السجن 10 سنوات بدلاً من المؤبد.
ويؤكد الخبر أن وقائع تلك القضية تعود إلى «قيام المتهمين التسعة في غضون شهر فبراير 2013 بالاتفاق في ما بينهم على قتل من يستطيعون نيله من رجال الشرطة، وقد عقد المتهمون الثمانية والأول العزم على مخططهم الخبيث وبيتوا النية على تنفيذه، وفي سبيل ذلك طلب المتهم الأول من شقيقه المتهم التاسع الذي يعمل بإحدى شركات الملاحة تزويده بأحد القواذف البحرية المستخدمة في السفن للإرشاد والإغاثة بعد أن أعلمه بنيته في استعماله في التعدي على أفراد الشرطة!».
إن هذا الإجرام لا يواجه إلا بالعقوبة الرادعة، فكل هذا التخطيط والتدبير للنيل من رجال الأمن كان من الضرورة ألا يمر مرور الكرام، بل إن تبييت النية لقتل رجل الأمن يجب أن يعد في القانون ظرفاً مشدداً.
بعد كل تلك الحوادث، آن لوزارة الداخلية أن تقدم مقترحاتها في تشديد العقوبات على التعدي على أفرادها، بل وتكفل لهم حصانة حينما يكونون في موقع الدفاع عن النفس، إننا نريد لرجل الأمن أن يشعر قبل كل شيء أنه آمن، وأن المجتمع يقف معه بكل قوة.
نأمل أن نسمع الحكم الأخير من محكمة التمييز بصدور هذه الأحكام بشكلها البات والنهائي، حتى يلقى هؤلاء حسابهم في الحياة الدنيا، أما في الآخرة، فقد قال تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً).