الرأي

إعلاميون من يفهمنا ويسمعنا؟! (3) هيكل الإعلام المدمر

إعلاميون من يفهمنا ويسمعنا؟! (3) هيكل الإعلام المدمر

إقرار الهيكل الوظيفي الجديد للإعلاميين بوزارة الإعلام جسّد عبارة «القشة التي قصمت ظهر البعير»، والذي يعد شاهداً وأحد الأدلة الكبيرة أن الخطط والرؤى المعدة لتطوير حقل الإعلام بعيدة كل البعد عن الواقع الإعلامي، لا سيما الواقع البحريني المعاصر، وأنه لا يقترب أبداً من وظيفة الإعلامي البحريني ولا يتفهمها.
فإقرار الهيكل الوظيفي الذي انتظره الإعلاميون منذ عام 1994، أي بعد 20 سنة من الانتظار، دون تدقيق في مدى ملاءمته مع وضع الإعلامي، وكأنه بيت إسكان وليس هيكلاً وظيفياً في دولة قوانين ومؤسسات، حمل خيبة موجعة سواء لكل إعلامي انتظره منذ تلك السنين ولكل إعلامي انضم للسلك الإعلامي منذ فترة، وتأمل من إقراره خيراً، فهو جاء كإحباط لكل إعلامي بحريني، فإلى جانب أنه يخلو من الامتيازات الوظيفية، ما عدا الشكلية والكمية، فقد تكون الميزة الوحيدة له أنه جاء متماشياً مع سياسة التقشف الاقتصادي «مشكلة الإعلام البحريني من الله خلقه متقشف يعني الهيكل الجديد جاء ليزيد التقشف هذا أكثر، عاد ما طاحت إلا على رأس الإعلاميين المساكين من بين كل التخصصات»، لذلك التوتر الحاصل حالياً عند شريحة عريضة من الإعلاميين تأتي لأن هناك نقاطاً على السطور وضعت وأقرت بشأن مسلسل الإحباط في البيئة الإعلامية، والذي كان نور إقرار هيكل وظيفي عادل جديد ينصفهم ويضمن حقهم الوظيفي بمثابة طوق النجاة والأمل الذي عاشوا على انتظاره سنين طويلة.
الواضح أن الهيكل الوظيفي قد تم إقراره دون تدقيق ودون نظرة إعلامية متعمقة تراعي حاجات الإعلامي والبيئة الإعلامية الحديثة، فحتى فيما يخص أقل القليل وألف باء بيئة الإعلام وأنظمتها أيضاً، لم يراعِ فيها شيئاً ولم يدرسها. «بالذمة والضمير»، هل رأى أحدكم في أي مؤسسة إعلامية في أي دولة حتى لو كانت متخلفة أن تدمج وظيفة المعد مع المقدم في مسمى وظيفي واحد؟ هل هناك إعلامي في أي بلد ينتظر بعد عشرين سنة لتعديل وضعه الوظيفي أن يقر هيكل وظيفي يرفع سقفه الوظيفي درجة واحدة فقط وبعد دمجه مع وظيفة أخرى بحيث يقوم بمهنتين لا مهنة واحدة؟ وبعد أن كان السقف الوظيفي لدرجة المذيع الدرجة التاسعة ضمن جدول ديوان الخدمة المدنية، ومع تغير ظروف الحياة بما فيها الظروف الاقتصادية وطبيعة الرواتب من عشرين سنة يرفع سقفه الوظيفي إلى الدرجة العاشرة فقط؟
والله حتى المبتدئ في الإعلام أو الذي لا يفهم في الإعلام شيئاً يدرك جيداً أن كل مذيع من الممكن أن يكون معداً؛ لكن لا يصلح كل معد للبرامج للتقديم والظهور التلفزيوني أو الإذاعي، فهذه الأمور تحتاج «كاريزما» خاصة ومقومات شخصية معينة، فمن غير المعقول أن تدمج أصلاً. كذلك هل معنى إقرار الهيكل الوظيفي الجديد الذي «يحكر» ويحدد السقف الوظيفي لكل معد ومذيع إلى الدرجة العاشرة فقط أن هناك سياسة لترحيل نصف المذيعين الحاليين الذين انتظروا سنين طويلة في حال رغبتهم في التقدم الوظيفي والتطور فيما يخص درجاتهم الوظيفية إلى مسميات وظيفية أخرى تفتح لهم السقف الوظيفي إلى الدرجات التنفيذية أملاً في تحسين مستوى دخلهم؟
هل معنى هذا أن هناك سياسة إن كنت ترغب بتقدم وظيفي ودرجات تنفيذية فإن هذا يأتي على حساب وظيفتك كمعد أو مذيع؟ والله حتى رواتب الدرجات التنفيذية الأولى لا تقارن بمستوى دخل الإعلاميين في دول عربية، لا نقول خليجية، بل حتى عربية متواضعة الاقتصاد والتنمية، فالكل يعلم أن قطاع الإعلام في كل الدول من القطاعات التي تكون أجورها مرتفعة أسوة بالطب والهندسة.
حصر درجات المذيعين والمعدين، دليل آخر من أدلة كثر، أن إقرار الهيكل لم يأتِ بعد دراسة تراعي الوضع، وأن هناك عدم تفهم بالأصل لطبيعة عمل الإعلامي وظروف مهنته. الإعلامي في الدول الخليجية وحتى العربية الفقيرة يتجه لعمله وكل تحدياته تكون في القضايا التي يحملها بداخله وتلاحقه حتى وهو في منزله؛ كالتنافس مع المحطات الأخرى وإعلاميي الدول الأخرى، وإبراز اسم وطنه؛ وإعلامي البحرين يأتي إلى العمل ويذهب وباله طيلة الوقت يكون مشغولاً بانتظار هيكل إعلامي من 20 سنة وبالتنافس لإظهار حقه وتعديل وضعه وإيجاد بيئة إعلامية صحية يتنفس فيها راحة بال وهدوءاً ويضمن فيها حقه الوظيفي والمعيشي وبعد كل هذا الانتظار «يا بو زيد جنك ما غزيت!».
إقرار الهيكل الوظيفي الإعلامي «المدمر» جاء ليوجد دولة داخل دولة؛ دولة إعلامية شكلية متخبطة أركانها لعدم الأمن الوظيفي تقوم على التراجع والتأخر أكثر ولا تتفهم طبيعة عمل الإعلاميين ولا تميز في تخصصات كل إعلامي ووظائفه، وتؤسس قناعة التشجيع على جعل كل إعلامي باله وهمه ليس في عمله وقضاياه بل في كيف سيتقدم وظيفياً حتى يغير وضعه «التعبان» من سنين طويلة.
لابد أن تكون هناك بنية تحتية سليمة متمثلة في هيكل وظيفي عادل قد قام عليه عدد ممن يحملون ضمائر إعلامية حية تتفهم البيئة الإعلامية، ولها باع طويل وخبرة فيها، خاصة الخبرة الميدانية لكي تتفهم حاجات الإعلامي، ومن ثم توجد له هيكلاً وظيفياً يتناسب مع طبيعة مهنته بدلاً من إيجاد هيكل لا يراعي الإعلامي الإنسان؛ بل يقوم على سياسة التقشف الاقتصادي والحد من عمليات الصرف الذي لا يأتي إلا على رأس الإعلامي المسكين، «تبون الحد من عمليات الصرف حدوا في جوانب أخرى مو في مصدر رزق الإعلامي ومو في زيادة أعبائه الوظيفية بدمج عدة وظائف في مسمى وظيفي واحد فهذا حتى من الناحية الحقوقية قبل المهنية أمر خاطئ».
الهيكل الإعلامي يأتي ليقبر أحلام الإعلاميين في إيجاد هيكل وظيفي يحقق لهم العدالة الوظيفية التي انتظروها منذ 20 سنة، يقبر طموحاتهم وسياسة تكرس منهجية التهجير لهم خارج وطنهم أسوة بمن رفضوا هذا الوضع من البداية من تلك السنين وهاجروا إلى الخارج واستقروا حيث الرسالة التي وصلت لمن ظلوا متمسكين بالإعلام البحريني على أمل تطويره «كنتم مخطئين.. الوضع لن يتغير إلا للأسوأ».
- إحساس عابر «1»..
أحد الإعلاميين اقترح الاستعانة بمتخصصين من معاهد دولية حتى يقيموا الهيكل الجديد، وأعتقد أن دراسة الهيكل الجديد ومقارنته بالهياكل الوظيفية للإعلاميين في أي دول أخرى سيكون برهاناً آخر على مدى عدم تفهم الهيكل المعد لطبيعة العمل الإعلامي.
- إحساس عابر «2»..
رواتب الإعلاميين الفنيين في الدول الحديثة والمتطورة، كأمريكا، تكون دائماً الأعلى، ولها امتيازات وحوافز، فهل هناك من يعيد النظر في الوضع الوظيفي لمهنة المخرج والمصور والمعد والإضاءة والصوت والمعد والمذيع، الذين يعتبرون أساس العمل الإعلامي بدل جعلهم في نهاية سلم الهيكل الوظيفي.