الرأي

الحج في الأوطان مسؤولية دينية مشتركة

الحج في الأوطان مسؤولية دينية مشتركة



سمي عيد الأضحى بعيد المسلمين الكبير كونه يختلف عن عيد الفطر المبارك من حيث المدة، فمدته شرعاً أربعة أيام، فيما الفطر يوم واحد فقط، ورغم اختلاف مسميات عيد الأضحى فهناك من يطلق عليه يوم النحر، وهناك من يسميه بعيد الحجاج، إلا أنه يختلف عن عيد الفطر من ناحية أن الأول يأتي ابتهاجاً واحتفاء بانتهاء شهر الصيام وإتمام العبادات والطاعات كاملة، فيما عيد الأضحى يأتي احتفاءً بانتهاء الحجاج من تأدية مناسكهم وعباداتهم حين يصعدون إلى جبل عرفات ويتقربون إلى الله بالدعاء والطاعة، فيوم عرفة من أهم أركان العبادات في الحج، ومن أفضل أيام عشر ذي الحجة ويستحب فيه الصيام وكثرة الابتهال والاستغفار.
وعيد الأضحى المبارك وما تسبقه من أيام مباركة أقسم الله بفضائلها حينما قال سبحانه (والفجر وليال عشر)، موسم مبارك يأتي كعيدية من الله سبحانه وتعالى إلى كل مسلم عاقل يعرف كيفية استغلالها الاستغلال الأمثل للظفر بفوائدها وغنائمها، وبطريقة تتماشى مع ما يمر على المسلمين في هذا الزمن من فتن وأزمات، والذي بات القابض فيه على دينه كما القابض على الجمر، كما روى سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ومن أحداث وقضايا بات الجهاد والأعمال التي تشابه أعمال «الحج فيها» مسؤولية مشتركة.
هناك معانٍ وعبر من الممكن أن يستلهمها المسلم المؤمن العاقل؛ فإن فقد الحج المكاني ولم يقدره الله لأي ظرف كان فهناك الحج الزماني والروحي، لذا فالإسلام أقر ببعض الطاعات التي تعادل في أجرها أجر حجة كاملة؛ كالعمرة في رمضان وصلاة الجماعة وصلاة الإشراق وحضور حلقات العلم في المساجد وغيرها من العبادات التي فيها تلبية لشرائع الله وعباداته.
وكما يغدو الحجاج بالتكبير وبتكرار تلبيات الحج «لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك.. لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك»، وكما الحاج هناك في الأراضي المباركة يلبي ربه؛ فالمسلم في أي بقعة من بقاع الأرض بإمكانه تلبية شرائع الله بتوحيده بأنه لا معبود بحق إلا سبحانه «لبيك لا شريك لك»، وبحمده والثناء عليه، ونعني هنا استشعار معنى «لا معبود بحق إلا سبحانه» من خلال ترك عبادة بعض العادات الخاطئة التي تبدد الوقت وتضيعه كمتابعة البرامج التلفزيونية السطحية والتافهة وحب الممثلين والمطربين، بحيث يغدون كما الشركاء في حب الله سبحانه -استغفر الله- فشتان بين من فاضت دموعه خشية من الله ومحبة له وبين من تسيل دموعه بسبب فوز أو خسارة مطرب في برنامج غنائي أو لاعب في فريق كرة.
فعيد الأضحى محطة جميلة من الممكن أن يعتبرها كل مسلم عاقل بداية عقد جديد من حياته في التضحية ببعض الأمور من حياته التي لا تكون على رأس أولويات الدين، للبدء بعقد جديد يقوم فيه برجم شياطين الإنس والهوى من حياته، والذين يبيحون له الحرام ويحرمون عليه الحلال، ببدء صفحة جديدة من حياته «تنحر» فيها الأمور التي تجر عليه السيئات وكبائرها وإضافة أمور في جدول حياته اليومي والتي «تزكي» له الحسنات الجارية في حياته وبعد مماته، في التصدق بالبسمة والكلمة الطيبة والنية الحسنة والدعاء الخالص للآخرين في ظهر غيب بالخير، هناك حاجة مع اقتراب مواسم العيد بتفقه كل مسلم لم يمن الله عليه بنعمة الحج أن يفطن إلى أن الله أوجد له بدائل لنيل أجر يحتسب فيها الأجر كأجر مناسك الحج.
ويستحب في الأيام العشرة الأولى كثرة إخراج الصدقة وصرفها للمساكين والمحتاجين، وفي يوم عرفة المبارك يستحب مضاعفة الاستغفار والتكبير والتصدق لما فيه من مغفرة وعتق من النار، وكما روي بأنه يوم يحزن فيه الشيطان ويرجم حيث لم ير أحقر من الشيطان في يوم عرفة لانشغال المسلمين بالعبادات العظيمة التي أقسم الله سبحانه بها كالحج والعمرة ونزول الملائكة بالرحمة على عباده، كما روي أنه من فضائل العشر الأولى من ذي الحجة أنها أفضل من الجهاد في سبيل الله، لذا فالمسلم العاقل الذي يمني نفسه بأجر مرتبة الجهاد في سبيل الله عليه أن يغتنمها في الجهاد مع وقته وظروفه وحياته بالتدبر فيها لنيل الأجر العظيم والثواب الكبير ورد الفتن عن المسلمين، وكما يسعى الحجاج بين الصفا والمروة عليه أن يدرك معنى السعي بين أمور الدنيا والآخرة والموازنة بينهما بدلاً من أن تشغله كفة أمور الدنيا عن كفة أمور الآخرة.
اليوم المسلمون لديهم تحد كبير وجهاد أكبر في الحفاظ على أوطانهم التي تحاك ضدها المؤامرات والمخططات لتفرقة شعوبها لمجموعات وطوائف متناحرة مع بعضها البعض، منشغلة عن مواسم الله وأعياده بمواسم الحروب والصراعات، وكما يأتي العيد وفيه مسؤولية دينية متمثلة في إخراج الصدقات للفقراء والتكافل مع مختلف فئات المجتمع؛ هناك مسؤولية وطنية متمثلة في التقرب إلى الله بالحفاظ على الوطن وطاعة ولي الأمر وتقريب المسلمين ولم شتاتهم وإطفاء الفتن الجارية بينهم لا تفرقتهم، والأولى البدء في ذلك بتقريب صفوف المواطنين في الوطن الواحد.