الرأي

خطأ نساء البحرين التاريخي!

خطأ نساء البحرين التاريخي!



أثناء دراسة ميدانية قمنا بها عام 2005 - 2006 كان فلكها يدور حول العملية الانتخابية ودعم تمكين المرأة سياسياً، لاحظنا ونحن نتجه ميدانياً إلى المنازل للقاء أرباب الأسر والمواطنين الذين شملتهم الدراسة أن معظم النساء اللواتي نصادفهن كن يتصرفن بطريقة «رجعية وتقليدية» للأسف الشديد في تعاطيهم مع أسئلة الاستبيان.
ما زلت أذكر المسؤول على الفريق الميداني للدراسة التابع لمركز البحرين للدراسات والبحوث سابقاً وهو يسألنا، وقد بدا أنه طرح السؤال وهو يعرف مسبقاً الإجابة بعد أن أنهينا دراسة حول قانون الأحكام الأسرية في البحرين، وشرعنا في الدراسة الجديدة حول الانتخابات؛ هل لاحظتم وجود أي فرق في مسألة التجاوب مع الدراسة من قبل أبناء الطائفة الشيعية مقارنة بأبناء الطائفة السنية؟ فلما أجبناه أن أبناء الطائفة الشيعية بدوا في إجاباتهم أكثر انفتاحاً ومرونة وتجاوباً ويمتلكون رصيداً ثقافياً أعلى، أجابنا ستلاحظون دائماً أن فكر الطائفة الشيعية في أي قضية وموضوع متقدم ومنفتح أكثر ويتقبل الأفكار الجديدة بشكل أسرع من أبناء الطائفة الذين يحتاجون لوقت أكثر.
معظم النساء اللواتي قابلناهن وعندما نقدم لهن تعريفاً بسيطاً عن فكرة الاستبيان والدراسة، نجدهن يترددن في مسألة الإجابة دون الرجوع إلى أزواجهن أو إخبارهم، بل إن بعضهن كانت تطلب زوجها للجلوس بجوارها، وعند طرح أي سؤال عليها إما أن تستشيره أو تقول بعفوية «أنت شرايك.. أي جواب اختار.. أنت اختارلي..» وكثير منهن قدمت إجابات هي بالأصل تعكس موقف زوجها أو أهلها لا موقفها هي.
لا نبالغ إن قلنا إن مثل هذه العينة التي مرت علينا لم تكن متواضعة العدد؛ بل إن هناك منهن من كانت تطلب منا الرجوع في وقت لاحق حتى يكون زوجها موجوداً أو تضطر لجعلنا ننتظرها وهي تتصل به وتستشيره وتطلب موافقته على السماح لها بالمشاركة.
العينة الأخرى التي لاحظناها أن هناك من تبدو متأثرة في الإجابة من زوجها أو أبيها أو أخيها، إذ عندما تبادر بالإجابة من بعده تقول «سأختار مثلهم».
مناسبة هذا الحديث هو ما نلاحظه في هذه الفترة قبيل موعد الاستحقاق الانتخابي، حينما نجد بعض النساء لايزلن غير مستقلات الإرادة، ولايزلن يتبعن حتى في خيار التصويت واختيار النائب الذي سيمثلهم في البرلمان أزواجهن أو أشقائهن أو آباءهن أو عائلاتهن، ولا يبذلن جهداً في الاختيار وفق قرار شخصي هي تتخذه باستقلالية، فبعضهن عندما تسألها عمن سترشح تكون أجابتها «بشوف شنو زوجي أو أبوي أو أخواني يختارون وبصوت له معاهم» أو «مادري بشوف بيتنا»، وذلك خطأ فادح تمارسه نساء البحرين رغم نضوج التجربة البرلمانية لدينا بعد مرور 12 سنة عليها في تسليم إرادتهن وحقهن الانتخابي لذويهم الذين قد لا يحسنون الاختيار أو لم يدرسوا المترشح جيداً، إنما أيدوه لاعتبارات شخصية أو عائلية أو مهنية وغيرها من الأمور التي لا تعتبر مقياساً لمعرفة كفاءة المترشح من عدمها.
هناك نقطة مهمة تغفل عنها النساء؛ وهي أن المجلس كما هو بحاجة إلى كفاءات رجالية بحاجة أيضاً إلى الفكر النسائي الذي يطرح ويناقش قوانين وقضايا تتعلق بخصوصية المرأة وحقوقها المهنية والعائلية وغيرها، وذلك ما لا يمكن لرجل مهما اجتهد وسخر من إمكانياته فهمه والتقاطه ومعايشته كما المرأة.
الخطأ التاريخي الكبير الذي وقعت فيه نساء البحرين عندما حاربن بعضهن البعض في بعض التجارب الانتخابية السابقة ومواقع العمل، والتي كان وصول المرأة إلى دفة قيادتها سيشكل نقلة نوعية، وسلمن مستقبلهن السياسي ليختاره الرجال بدلاً عنهن، وعندما أثبتت التجربة أن المرأة كما الرجل قادرة على الوصول إلى قبة البرلمان وقادرة على تمثيل الشعب وقادرة على إيصال مطالبه والتعبير عن اتجاهاته، فالمرأة شقيقة الرجل ودورها لا يقل أبداً عن دوره في المجتمع، وهناك نساء يمتلكن قوة في الطرح وفكراً مستنيراً في المشاريع والقوانين أفضل من كثير من الرجال أنفسهم، لكن الحق يهضم وسط «معمعة الحرب الذكورية» التي تشن عليها سواء من إشاعات تتناول حياتها الشخصية أو الضغط عليها وابتزازها وغيرها من مظاهر الحروب الانتخابية، حيث لا يبقى للكفاءات النسائية بعدها خيار سوى التعيين في مجلس الشورى.
من المتعارف عليه أن المترشحة دائماً ما يكون أقوى خصومها النساء أنفسهن لا الرجال، فالمرأة عدوة المرأة، فهي العدو الخفي لها بشكل غير مباشر، الرجل الذي يؤثر على اتجاهات المرأة ويسلبها استقلالية التصويت فيجعلها أداة لإسقاط المرأة وعدم إيصالها إلى مراكز متقدمة في الدولة، وهذا ما يظهر جلياً خلال فترة الانتخابات بالذات.
كلامنا هذا لا يعني دعم المرأة لمجرد أنها امرأة مقابل مترشحين رجال قد يمتلكون من الخبرات والإمكانيات أضعاف ما تملكه، لكن بيت القصيد هنا أهمية الانتباه وزيادة الوعي، فنساؤنا للأسف -بعضهن وليس الجميع- نجدهن مثقفات ويحضرن الندوات والمنتديات الثقافية التي تتطرق لمثل هذه المسائل، لكن حين تحين ساعة الصفر وفي آخر لحظات التصويت نجد المواقف تتبدل وتعود فطرة الانقياد الأعمى وراء الرجل، وتسليم الإرادة له بالمطلق، لتكون الفيصل في قرار التصويت فيضيعن هنا فرص تمكين النساء ذات الكفاءة والقدرات الفائقة، ويرتكبن خطأ فادحاً وبليغاً في حق العمل النسائي في مملكة البحرين من جهة وفي حق مستقبل العمل البرلماني من جهة أخرى.