عصرنا لا يشبه الشعر
بنادر
السبت 30 / 08 / 2014
قبل فترة أكثر من شهر؛ أرسل لي الصديق الروائي وكاتب السيناريو والمترجم البحريني المعروف أمين صالح، عبر الإيميل، مقالاً جميلاً للشاعر والناقد الأمريكي وليام لوحان، تحت عنوان «عصرنا لا يشبه الشعر».
هكذا قال الشاعر والناقد الأمريكي وليام لوجان، وهو يرى أن الطريقة التي نحيا بها في هذا العصر لا تشبه الشعر، وإنما النثر الركيك، وأكد في مقال نشرته صحيفـــة نيويورك تايمز: «إننا نعيـــش فــي عصر الزخارف والعبث، عصر السرعـــة والضجر، ثمة نثر لا يجلب الضرر البالغ، ولكن استمرار العيش في عالم نثري ركيك يورث الصمم واليأس من قدرة اللغة على الإبداع، إن الشعر ثمرة اللغة الأشهى».
وأوضح أنه إذا كان ثمة محبون للشعر فإن عدد كارهيه أكثر، وأقل من أولئك وهؤلاء من يشترون دواوينه، ولفت إلى أنه على الرغم من وجود وسائل كثيرة لإعلام الناس العاديين بالشعر، عبر إقامة أمسيات شعرية وتقليد إمارة للشعر ولصق قصائد شعرية على جدران الحافلات وعربات المترو، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، على الرغم من كل ذلك فإنه ليس ثمة مزاجاً شعبياً عاماً لقراءة الشعر، وقليل هو عدد من قرأ يوماً شيئاً من الشعر.
وأكد لوجان أن ما ينسحب على الشعر ينسحب على كثير من الفنون مثل الباليه والموسيقى وغيرها، غير أن الشعر طالما احتل قمة قائمة الفنون الرئيسة سيئة الحظ بين الجماهير، وطالما يئس الشعراء من الاقتيات بأشعارهم.
وأشار إلى حقيقة أن المرء يستطيع أن يحيا حياة كاملة دونما قراءة شطر واحد من الشعر، أو رؤية لوحة لبيكاسو أو مشاهدة مسرحية «بستان الكرز» لأنطون تشيخوف.
ورصد الشاعر اختفاء المجلات المخصصة للشعر على مدار المئة عام الماضية وانزواءه في المقررات الدراسية التي لو تعرضت له، فإن الأمر يتم على استحياء دون الخوض في بحاره واستكناه غوامضه وبديع معانيه التي تميزه عن غث الكلام.
ودعا لوجان القائمين على التعليم في أمريكا إلى تنشئة الأطفال على قراءة الشعر في مراحل التعليم المختلفة، ولكنه أضاف: «إن عالمنا الواقعي ليس عالماً شعرياً، ولربما لا يتفق معي حتى الشعراء المعاصرون فيما أدعو إليه».
ونحن بالطبع نختلف اختلافاً واضحاً مع ما يطرحه الشاعر والناقد الأمريكي وليام لوجان، أولاً أن الشعر قبل أن يكون كلمات تكتب على الورق، أو مفردات تسمعها الإذن، هو حالة روحية يمر بها الشاعر، وبالتالي يمر بها المتلقي حين يشعر أنها تعبر عن حالته النفسية في لحظة القراءة، أو في لحظة التناهي مع القصيدة، فيرى أنها قصيدته التي كتبت من أجله.
ثانياً: إن الشعر تطور تطوراً كبيراً في العالم، ما عادت القصائد الغنائية هي المسيطرة، بل أن هناك القصيدة الدرامية، ذات الأصوات المتعددة، والقصيدة الملحمية، والقصيدة المركبة، وهذه كلها يحتاج إلى قارئ جديد مختلف عن القارئ التقليدي، قارئ يشارك في القصيدة، يسألها، لا يأخذها على ما تعطيه.
ثالثاً: في كل فترة يقال إن الشعر انتهى، خاصة بعد سيطرة الرواية على ذوق الجمهور، قد يتراجع الشعر أحياناً، نتيجة لظرف سياسي ما، ولكن هذا التراجع من أجل دفعة أقوى مستقبلية، ونحن نلاحظ مع ظهور الرومانسية في فرنسا على سبيل المثال، ظهرت تجارب مختلفة كتجربة بودلير الذي لم يحظَ بالصيت الذي يستحقه كشاعر في زمنه، ثم جاء بعده رامبو؛ رامبو لم يوزع من ديوانه الأول والذي طبعت منه خمسمائة نسخة، ما يزيد عن أصابع اليد الواحدة.
الشعر سوف يبقى دائماً أحد الفنون الروحية العظيمة، لأنه لا يتعامل مع اليومي والعادي والمألوف والمعروف، إنه يتغلغل في الما وراء، بحيث لا يمكن إلا أن يتجدد مع كل قراءة، ويتعدد في كل عصر، ويتمرد على أي نقد يحاول أن يؤطره ويقننه ويضعه تحت مسطرة المألوف.