الرأي

الملك في سوتشي.. «سباسيبا» روسيا!

اتجاهات









الاتجاه للشرق؛ يأتي في إطار سياسة متجددة تتبعها مملكة البحرين في إطار تقوية علاقاتها مع لاعبين رئيسين على المستوى الدولي، وهي سياسة تعزيزها يأتي في توقيت صحيح ومناسب، خاصة بعد مؤشرات تكشف تذبذباً وعدم وضوح وانعدام استقرار في التعامل مع حليفة رئيسة هي الولايات المتحدة الأمريكية، بالأخص في هذه الفترة التي تتشعب فيها اهتمامات البيت الأبيض وتتأرجح بين محاولة الهيمنة على أكثر قطاعات العالم وبين محاربة الأخطار (التي هي أساساً صنيعة أمريكية) حينما تشهر أسلحتها بوجه السياسة الأمريكية.
روسيا والصين ولا ننسى اليابان، قوى عالمية لها ثقلها ووزنها الذي لا يستخف به، حتى الولايات المتحدة تقض مضاجعها حينما تكون هناك اجتماعات تجمع الروس والصينيين، فالكتلة الشرقية تمثل لها هماً مستمراً، إذ إن انهيار الاتحاد السوفيتي لم يكن بمثابة الفرحة التامة للأمريكان، بقدر ما كان «شهر عسل» له تاريخ انتهاء بمجرد لملمة وضع الجمهوريات السوفيتية وإعادة الوقوف على الأقدام، وطبعاً وضع الترسانة العسكرية الروسية هو أكثر ما يقلق قاطني البيت الأبيض.
كنا نقول بأن البحرين عليها أن تنفتح أكثر على القوى العالمية، إذ الاكتفاء بالغرب متمثلاً ببريطانيا ذات العلاقة التاريخية الممتدة أو الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي أو فرنسا، مسألة ليست كافية، باعتبار أن التوازن حتى في العلاقات مطلوب، بالتالي في الجهة المقابلة لابد وأن تكون هناك علائق قوية مع روسيا والصين واليابان.
قبل فترة كانت هناك تصريحات إيجابية تستحق الإشادة من قبل السفير الروسي في مملكة البحرين، تصريحات واقعية والأهم فيها بأنها «حيادية» وغير متحيزة، وهنا نحسب للسفير الروسي بأنه تكلم بحسب ما تراه عينه في البحرين، ووفقاً للتقارير التي تعدها السفارة والذي يتضح بأنها تعد بحرفية وتجرد وحيادية، بخلاف ما دأبنا على ما يصدر من السفارة الأمريكية هنا والتي نشرت وثائق الويكيليكس فضائح بالجملة عنها وعما كانوا يدبرونه للبحرين وعن دعمهم لمن نفذوا محاولة الانقلاب في فبراير من العام 2011.
جلالة الملك حفظه الله قام بزيارات استراتيجية هامة لدول الشرق، تضمنت رسائل صريحة ومباشرة لكل قوى ترى بأن استفرادها بالعلاقة مع البحرين يمنحها حق التدخل في شؤوننا الداخلية وحق ممارسة «الفلسفة السياسية» علينا من منطلقات القول بـ«يجب» و«ينبغي» و«يفترض».
اليوم حمد بن عيسى رمز هذا البلد في مدينة سوتشي الروسية زائراً القطب العالمي الثاني في موازين القوى جمهورية روسيا الاتحادية، بعد زيارة أولى فتحت أفاقاً أوسع للتعاون الثنائي بين البلدين من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات، حتى الخطوط الجوية ستفتح بين البلدين ابتداء من هذا الشهر.
تعزيز العلاقات وتقويتها مع روسيا مسألة حتمية، بالأخص في المجال العسكري وبعد محاولة فرض ضغوط أمريكية في هذا الجانب، كسرتها أولاً بريطانيا باستمرار صفقاتها وتعاونها في هذا المجال.
ولماذا روسياً أصلاً تزعج المعسكر الغربي؟! ببساطة شديدة لأن هذا المعسكر تكالب على الروس والسوفييت منذ بدايات القرن الماضي وهلل فرحاً لانهيار الاتحاد السوفيتي، بعد حرب صريحة وما تبعها من حرب باردة وصراع جواسيس.
روسيا هي أكبر بلد في العالم من حيث المساحة، لها حدود مع 16 دولة من ضمنها الولايات المتحدة عن طريق بيرينغ، وعاصمتها موسكو من أكثر عواصم العالم اكتظاظاً بالسكان، وهي تاسع أكبر دولة من حيث عدد السكان بواقع 143 مليون نسمة وجيشها مكون من أكثر من مليون مقاتل مهيأ، والأهم هنا بأنها تمتلك أكبر مخزون في العالم من أسلحة الدمار الشامل وهي إحدى خمس دول تمتلك الأسلحة النووية، إذ لديها أكبر مخزون من الرؤوس النووية بواقع 16000 رأس نووي، وهي خامس أكبر دولة في العالم من حيث الميزانية العسكرية، فهي أكبر مورد للأسلحة في العالم، ولديها أكبر سلاح دبابات أسطولها ثاني أكبر أسطول من غواصات الصواريخ الباليستية وهي مع الولايات المتحدة الدولتان الوحيدتان اللتان تمتلكان قاذفات قنابل استراتيجية.
حتى في الجانب الاقتصادي هي قوة لا يستهان بها، فهي إحدى عشرة أكبر اقتصاد في العالم، وسادس اقتصاد من حيث القدرة الشرائية، وتمتلك أكبر احتياطي في العالم من الموارد المعدنية والطاقة، وطبعاً لديها النفط والغاز (وهذا ما يثير الأمريكان أكثر)، إضافة لأكبر احتياطيات العالم من الغابات وامتلاكها ربع المياه العذبة في العالم بالنظر لكم البحيرات.
قد تكون المعلومات أعلاه تهم رجال السياسة والاقتصاد، لكن بالنسبة لنا كمواطنين يهمنا إلى جانب ذلك أنها دولة تعاملت مع البحرين بعدالة وإنصاف، والأهم أنها دولة لم تحول سفارتها لوكر تجمع فيه محرضين على بلدنا ومخططين لانقلابات وداعمين للإرهاب وقتل رجال الشرطة واستهداف الأبرياء. نحسب لهم توازنهم وبناء مواقفهم على ما عايشوه على أرض والواقع، ونسأل ألا يغيروا من منهجيتهم أو سياستهم، فالروس منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم تكن لديهم نزعة تملك مصائر الشعوب مثل الأمريكان، وهم من مروا بمرحلة انهيار خرجوا منها بخسائر رهيبة لكنهم استجمعوا قواهم واستعادوا مكانتهم العالمية شيئاً فشيئاً، في وضع نشك أن راسمي السياسة الأمريكية يمكنهم تجاوزه داخلياً، والتاريخ خير شاهد سواء بالنظر لتداعيات الأزمة الاقتصادية أو احتجاجات «وول ستريت»، يضاف إليها عداء شعوب العالم التي تضررت من سياسة الاستحواذ والسيطرة.
مملكة البحرين بقيادة جلالة الملك تسير في اتجاه صحيح، لا تفقد حلفاءها بل تعزز صلاتها وتقوم ما اهتز منها، وترسل رسائل واضحة لمن ظن أنه باستغلال طيبة وتسامح وأريحية نظام البحرين يمكنه أن يتدخل في شؤوننا ويتحكم في بوصلة بلادنا إما بالتنظير أو الضغط.
وننهي هذه السطور بالقول للأصدقاء الروس «سباسيبا»، أي شكراً!