الرأي

صنعاء تغرق في الظلام

صنعاء تغرق في الظلام


تكالب أعداء الداخل والخارج لإسقاط درة العواصم العربية، خيم الظلام على البشر والحجر، خلت الشوارع من المارة، باتت مدينة أشباح يسكن الخوف أزقتها ودواعيسها؛ إنها صنعاء. لا يكسر صمت صنعاء اليوم سوى الرصاص ودوي الانفجارات، الأبواب أوصدت على آلام أهلها، هجعت العاصمة في سباتها وليس سوى رائحة الموت يتخلل النوافذ والأبواب الموصدة ليقلق راحة الهاربين من الخوف والظلام. صنعاء لم تعد كما كانت عاصمة التاريخ والمستقبل، ملامح جديدة للمدينة رسمتها أيادي الخيانة في السلطة الحاكمة وعصابات الحوثي، شوهوا وجه صنعاء الجميل، وانتهاكات «أنصار الله» بحق اليمن الدولة والإنسان وسكان صنعاء خاصة، بلغت أوجها، تنمرد المحتلون وعاثوا في المدينة فساداً.
سقطت صنعاء في يد مليشيا الحوثي المسلحة، هول الصدمة كان كبيراً، ليس من السقوط فحسب، بل من السلوكيات البربرية للمحتل الغاصب، فعلى يد مليشيات الحوثي هتكت حرمات البيوت، والتقطت الصور التذكارية «المقززة» في غرف النوم، وأما القتل فحدث ولا حرج.
المليشيات منعت الطواقم الطبية من انتشال جثث جنود ذنبهم الوحيد أنهم قاتلوا ضد سقوط صنعاء، تعفنت جثثهم في الطرقات ونهشتها الكلاب، المليشيات فجرت واحتلت المساجد ومنعت إقامة الصلوات، وفرضت خطباء وأئمة موالين تحت قهر البنادق، وحولوا بعض المساجد والمدارس لثكنات عسكرية.
مليشيا الحوثي نهبت سلاح الجيش والأمن، سرقت الوزارات وأجهزة الدولة، وحتى سيارات الإسعاف لم تسلم، دخل اللصوص المستشفيات وأعدموا المرضى على أسرتهم، لاحقوا الصحافيين والنشطاء والجمعيات الخيرية ومراكز المكفوفين سرقت ونهبت ودمرت.
سقط الحوثي أخلاقياً وإنسانياً، وكشف سوأته أمام اليمنيين، وها هو يكرر ذات المشهد المفزع والكئيب الذي شهدته صنعاء بعد أن أخفق ثوار 48 في الإطاحة بالحكم الإمامي الرجعي، فسارع المدّعون بأحقية الحكم في استباحة كل ما احتضنته صنعاء شهراً كاملاً.
اعتاد الحوثيون على هذه الممارسات وأكثر، فقد رصد تقرير حقوقي أعده فريق مكون من خمسين باحثاً وإعلامياً ينشطون في مجال حقوق الإنسان ودشنته مؤسسة «وثاق» حجم الانتهاكات بـ 13 ألفاً و660 حالة في محافظتي صعدة وحجة بحق المواطنين المدنيين منذ 2004 وحتى 2011.
انتهاكات الحوثيين تنوعت بين عمليات قتل وتعذيب واختطاف وسجن لمواطنين، واعتداءات على الأهالي وتفجير المنازل والتهجير القسري.
وبحسب التقرير؛ قتل الحوثيون 531 شخصاً جميعهم مدنيون في محافظة صعدة، بينهم 59 طفلاً و48 امرأة، ودمروا وسيطروا على 497 منزلاً.
التقرير أشار أيضاً إلى أن مجموع المختطفين في محافظة صعدة بلغ 47 شخصاً من المدنيين، وهم مختفون قسرياً منذ سنوات ولا تعلم أسرهم عن مصيرهم شيئاً، وأن الحوثيين يديرون 36 سجناً في سبع مديريات في صعدة.
لا تستطيع المليشيا الآن إخفاء جرائمها؛ فقد اتسع الخرق على الرقع، وهم لم يعتادوا تسليط الضوء على ممارساتهم وانتهاكاتهم اليومية، فصنعاء هي قلب اليمن النابض وليست صعدة أو حجة أو عمران، فلجؤوا لتجيير مكائنهم الإعلامية الرخيصة لتبرير الجرائم وتصوير ما يحدث من انتهاكات على أنها ممارسات فردية مرفوضة ومدانة، أو من تدبير طرف ثالث، أو من أجل حماية المنازل والمقار الحكومية.
البخيتي ومن على شاكلته حاولوا أن يبرروا أن مليشياتهم المحتلة لصنعاء وقعت في «فخ» محكم، وهم لا يملكون من الكوادر المدربة والمحترفة القادرة على التعامل مع المدنيين وتنقلوا بين إلقاء التهم في محاولة بائسة لشرعنة الانتهاكات الخطيرة الحاصلة.
مجمل التبريرات التي تسوقها الحركة الحوثية لا تعفيها عن المساءلة الجنائية القانونية، فالمدينة تخضع لسيطرتهم حالياً، هم من دخلها شاهراً سلاحه وأسقطوا مؤسساتها ونشروا مليشياتهم في شوارعها وأحيائها.
الجرائم الإنسانية لا تسقط بالتقادم، ومحاسبة هذه المليشيا المنتهكة لحقوق الإنسان وإن لم يستطع اليمنيون ملاحقتها قانونياً بالداخل فسيتم ملاحقتها دولياً، والناشطون اليمنيون عودونا على مقاومتهم لأشد مظاهر التسلط والاستبداد، ولن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الانتهاكات.
سقطت صنعاء في وضح النهار أمام أعين اليمنيين والعرب والعالم أجمع، لم يبكها أحد سوى قلة من الغيارى والمساكين ومسلوبي القوة والإرادة، أما الآخرون، أصحاب السطوة والنفوذ والجيوب المترعة بالمال الحرام، فهمومهم مختلفة وأحلامهم لا يلفها ليل صنعاء الطويل.