الرأي

صارت «اللعبة» أخطر!

اتجاهات

يناقض نفسه من يظن بأن التغيرات الأخيرة التي طرأت على الخريطة العالميـة وليــدة «صدفــة»، وأن زمــن «الفوضى الخلاقة» انتهى، بل يخدع نفسه من يظن بأن التحالفات القائمة على «صداقة مضمونة» مع أقطاب لهـا تاريخها في «بيع الحلفاء» هي أساس قوة أي كيان.
المتغيرات العديدة خلال أكثر من عقدين من الزمان في العالم عامة ومنطقتنا الشرق أوسطية والعربية مؤخراً كلها تؤسس لمؤشرات خطيرة بالنسبة لكثير من الكيانات والتي بدأ بعضهـا يتحرك حتى بصورة «انفرادية» عله ينأى بنفسه عن تأثير هذه الرياح، سواء أكانت رياح تغيير لكنها على «مزاج وقياس» هذه القوى، أو رياح دمار وانقلاب وفوضى هي أيضاً حاصلة بناء على «مزاج وقياس» نفس القوى، بفارق وحيد يتمثل بـ«أين موطئ قدمك».
حلفاؤنا الأكثر قرباً منذ غادرت القوى البريطانية المنطقة، ونعني بهم الأمريكان، هم أنجح القوى في تحويل العالــم إمــا إلــى بــؤر تجــارب أو بــؤر صراعات أو بؤر استثمارات، والتحالفات لديهم قائمة على مبدأ واحد لا يتغير، المصلحة ولا شيء غيرها، وهنا لا تلام القوى الكبرى حينما تتلاعب بمصائر الغيــر طالما قبل هذا الغير أن يتــم التلاعب به.
واشنطن هي من صنعت أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وأعانته في حربه ضد الاتحاد السوفيتي، وهي نفسها التي حاربته ووصلت له وقتلته حينما غير اتجاه المدافع واستهدف أمنها الداخلي. الحال نفسه حصل مع صــدام حسين، مع حسني مبارك ومع كثيرين، كانوا في وقت يحظون بكل الدعم ثم في لحظة وأخرى تغيرت المواقع من اليمين إلى أقصى الشمال. حتى تغيير الخارطة الإيرانية كان محسوباً ومقدراً إلا أن الالتفاف على الأمريكان كان ديدن كثيرين بالتالي يتحول الرضا إلى سخط بالضرورة.
الاتحــاد السوفيتــي ومعــه مجموعــة من الدول التي تمثل الكتلة الشرقية والمنتمين للفكر الشيوعي شكلوا في زمن ما «حائط صد» ومجموعة ضغط في وجه الكتلة الغربية وفي وجه القطب الساعي للهيمنة المطلقة، لكن الانهيار الذي كان مقرراً له ومخططاً له جعل الساحة تدين للاعب واحد فــي مواجهة لاعبين أقل قوة وفيما بينهم أصلاً مناوشات وانعدام ثقة بالتالي تسيد الملعب أمر طبيعي.
مــا شهدتــه المنطقــة العربيــة فــي السنوات الأخيرة، سموه ما شئتم «ربيع عربي» رغم أنه بعيد عن أي ربيع، تغييرات سياسية، انقلابات، فوضى خلاقة، وغيرها، كلها أمور يخطئ تمامـاً من يقنع نفسه بأنها بدأت فقط عندما قام محمـد البوعزيــزي بحــرق نفســه، هو كان الشرارة فقط، وتبعه تساقط قطــع «دومينوز» مقدر لها أن تسقــط، والدليل الفرضي هنا يقول بأنه حتى الآن لم تزهر أوراق هذا الربيع في تلك الدول بل باتت الأحوال أسوأ مما كانت عليه في السابق، ولا نعني أنها لم تتصلح في جوانب لكن الجوانب الأهم التي تجعل للدولة مقومات وحياة طبيعية هي الأمور التي مازالت قيد البحث.
بفضل الحلفاء الأصدقاء، تحول العراق من سد حام للجبهة الشمالية لمنطقة الخليج العربي إلى جبهة تهديد، وصلنا لمرحلة تدخل فيها الأسلحة لبلادنا من الشمال الذي كان يوماً سداً أمام أي مطمـع للتمــدد «الصفيوني»، وها هي الفوضى تنتشر، وها هي عمليات تجنيد من يريد بيع وطنه تستمر ووفق برامج معلنة وصريحة.
الخارجية الأمريكية مازالت مستمرة في برنامجها الذي تسميه «قادة التغيير» والذي لا تستهدف فيه داخلها أو داخل بعض الأقطاب الغربية الكبرى، بل تركزه في الدول العربية والإفريقية، تصرف ملايين الدولارات على تدريب عناصر شابة لتكون بمثابة الأدوات التي يتم تحريكها في الداخل، ورغم ذلك ترفعهم تارة وتخسف بهم تارة أخرى مثلما حصل مؤخراً من إيقاف دعم عناصر من دولتين خليجيتين فقط بسبب طلب من الدولتين لوقف هذا العبث الذي يستهدف به استقرار وأمن هاتين الدولتين، وطبعاً المفاوضة هنا على الاستثمارات وعلاقات التعاون التي تخدم المصلحة، والتي هي الحد الفاصــل فــي أي علاقــة يحــرص علـى تعزيزها البيت الأبيض.
كل هذه الفوضى وكل هذه المخططات لن تتوقف طالما استمر الوضع المتفكك للدول التي يمكنها أن تشكل كيانات متوحدة، دول مجلس التعاون في شكلها الحالي «مجلس» ينظر لهـــا كرقم مؤثر، لكن مع ذلك لا يراد لها أن تتحول إلى «رقم صعب» يماثل وضعية الاتحاد الأوروبي، بالتالي فكرة الاتحاد الخليجي يتم الضرب فيها لا عبر القوى العالمية مباشرة لكن من خلال الأدوات التي صرف عليها وتم تربيتها لتخدم وفق التوجه المرسوم لها بمقابل أن يرمى لها الفتات وأن تكون متحكمة في أي وضع إن سيطرت عليه فيزيائيا لكــن شريطــة الحصــول على «صكوك موافقة» من جهة التجنيد.
اللعبة باتت أخطر، والغافلون سيغدر بهم، ومن يمد اليد اليوم مصافحا بحسن نية تامة، قد يأتي يوم يبحث فيه عن يده ليجدها قد «بترت» من قبل الحليف والصديق.