الرأي

إيقاع الوحدة وإسقاط أمتعة الشتات

نبضات







عندما نتفكر في أحوال الأمتين العربية والإسلامية ملياً، ندرك جيداً مدى ضرورة إعادة النظر في مجريات الأمور سياسياً واجتماعياً في عدد من الدول المهددة على الصعيدين السياسي والأمني ومنها البحرين.
مع بداية أزمة البحرين، طلب مني أحد الأساتذة العراقيين أن أتحلى بمزيد من الحلم، ومزيد من التريث، لكي لا نكون عراقاً آخر.. كان ذلك في 2011. ومع بداية الصراعات الجديدة في العراق، ترددت على آذاني أصداء كلمته، ولطالما تساءلت هل يمكن أن نكون عراقاً آخر بحلته الجديدة الممزقة التي أطفأت جماله وغناه وفخامته، ولم تبقِ منه أو تذر إلاَّ نزراً يسيراً من صفوة أبنائه العظماء.. من أرض العراق العظيم، المتحصنين بالحلم والفكر حتى النخاع والمؤمنين بأن خلاص الأمة في وحدتها، في إحياء لوجه من الناصرية، وآخر من حلم صدام العربي، ما يستدعي شيئاً من الذكريات العروبية وأشياء من المجد والكرامة العربيين.
إن ما تواجهه العراق من دمار شامل مرة تلو الأخرى، وبعد ما حلّ ومازال بسوريا، وبعد انقسامات السودان واليمن وتردي الأحوال في كثير من البقاع العربية الإسلامية، لاسيما الشرق أوسطية، باعتقادي.. فإنه على الجميع لزاماً أن يتخلوا عن أجنداتهم، وأن يحين أوان إسقاط الانتماءات والأيديولوجيات الفرعية، على الجميع -وأتحدث عن البحرين خصوصاً- الانضواء تحت لواء الوطنية الخالصة بمفهومها العام، ليس بمنظور حزب أو أيديولوجية محددة.
إن الانقسام الذي تعاني منه البحرين عقائدياً وإثنياً وأيديولوجياً -كما لم يكن من قبل- نذير شؤم على الأرض ومن عليها، وإن التنبه لذلك في وقت مبكرة أو حتى في الرمق الأخير، يجنبنا مزيداً من الخسائر ويجعلنا في مأمن نسبي من إعادة صور المآسي العربية والإسلامية بطرق أخرى، وينأى بنا عن الولوج في دوامة صراع الأقليات والحروب الأهلية.
لعل الأمر لم يعد طائفياً وحسب، ما يدق نواقيس الخطر في كل زمان، وفي كل شبر أو أقل من هذه الأرض. ما تشهده وشهدته البحرين من استفحال لانقسامات بحلة جديدة وأبعاد جديدة لم تكن مطروقة من ذي قبل، وما تعرضت له البحرين من سكاكين الغدر من جهة و»سنّ السكاكين» من جهة أخرى، كان لابد من احتوائه والسيطرة عليه وإخراج أهله من ذلك الغسيل الدماغي الشيطاني الذي جرد الفرد من هؤلاء من عقيدته الحقة ومن وطنيته ومن انتماءاته، ليكون عبداً للشيطان، وعصا مطيعة يهش بها العدو على غنمه ومصالحه في أوطاننا.
ما أتصوره.. أننا تجاوزنا بكثير مراحل الاحتقان الشعبي والغضب الطائفي والفرقة والنزاع والشقاق، وأنه من العبث العزف على أوتار مقطوعة إما لا تحمل نغماً البتة وإما تبعث ضجيجاً ونشازاً. إن التناغم الشعبي لن يتم إلا باصطفاف الأوتار بعضها جنب بعض كما يجب، وضبط «الملاوي» المفاتيح على مستوى معين، ولن يتم إلا بالأوتار المزدوجة وثراء التنوع والتعدد، ولكي نضمن جودة العزف والإيقاع لابد من التأكد من موهبة العازف وجودة ريشة العاج.. وهو ما يلزمنا لدعم نظامنا الحاكم وتقوية أركانه، بدلاً من إغراقه في الأزمات والويلات عقداً بعد آخر وبوتيرة متسارعة في بعض الأحيان.
لقد آن أوان إسقاط أمتعة الفرقة والشقاق، وأن يولي زمان التوشح بالسواد.. وأن ترقص البحرين طرباً لا ألماً على إيقاع وحدة أبنائها وانصهارهم في بوتقة الوطنية.
- نبض..
هل سيكون موسم الانتخابات وما يشمله من حملات.. مسرحاً لعروض الفتن والفرقة والشتات، أم رسولاً للجمع والوحدة؟!