الرأي

هذا هو واقعكم اليوم..!!

أبيض وأسود




كان الله في عون من يمشي خلف هذا الشخص، ولا أعلم إن كان من يمشي خلفه له عقل ويستطيع أن يميز؛ أم أنه مغلوب على أمره، ويسير كما يسير الذي يمشي وهو نائم، من دون عقل ولا هدى بصيرة.
لا أعرف لماذا تذكرت ما فعله الصحافي العراقي في الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، فقد حضر هذا المشهد أمامي وأنا أقرأ تصريحات أمين عام الجمعية الانقلابية، حين قال إنه سيلجأ إلى الأمم المتحدة إذا لم يحصل على الحل في البحرين (ويقصد لم يحصل على ما يريد)..!
قبل ذلك أيضاً صرح ذات الشخص لوسائل إعلام مصرية مهدداً إذا قام القضاء بحل جمعية الوفاق فإن البحرين ستتحول إلى عراق آخر..!
قبل أن نتحدث عن ما جاء في التصريحين، فإن من الواضح تماماً للمتابع أن من يقول كل هذه التصريحات ليس في حالة اتزان عقلي، وفما معنى أن يقوم شخص بإطلاق تصريحات عشوائية ومتخبطة ومتناقضة؟
لا تفسير لذلك غير أن هذه حالة عدم الاتزان وفقدان البوصلة وحالة من الضياع يعاني منها من أطلق التصريحات.
لا ضير من التذكير مجدداً بحالة الوفاق اليوم، وما وصلت إليه، وحالة الشارع الذي أخذ يرجم أعضاءها بالحجارة ومسيلات الدموع المصنعة في القرى، فمن بعد أن كانت الوفاق في عمق أزمة 2011 ترفض المبادئ السبعة التي عُرضت عليها، وكان الولي الفقيه والوفاق وعلي سلمان يستكبرون ويريدون دستوراً جديداً على مقاس الوفاق الطائفي، فإن عليكم أن تروا إلى ماذا وصلت الوفاق اليوم من انحدار وانكسار وفشل وتخبط.
قرأت تحليلات في مواقع محسوبة على هذه الجمعية، هذه التحليلات تنطلق من كلمة (ليتكم قبلتم بتلك المبادئ السبعة) وكانت أغلب التحليلات تصف حالة الوفاق اليوم، وماذا فعلت الإدارة السيئة وغير الواعية وغير الحكيمة والتي لا تحسب كل معطيات الأوضاع المحيطة بالبحرين، وبالتالي حدثت كل هذه التراجعات للوفاق، وهبط سقف المطالب إلى الحضيض.
كما إن ما قامت به الدولة تجاه تدخل مساعد وزير الخارجية الأمريكي لم يكن قراراً سيادياً موجه للأمريكان فحسب، وإنما كان صفعة للداخل ولمن يجتمع معهم هذا الأمريكي ويوجههم، من هنا فإن حالة التخبطات والتصريحات المتناقضة تضع أمام المراقب تشخيصاً واحداً، وهو أن حالة عدم الاتزان وفقدان الثقة في الذات والشعور بالهزيمة يسيطر على من أطلق التصريحات.
اللجوء للأمم المتحدة سيأتي بعواقب غير محسوبة على من يفعل ذلك، إن فعله، خاصة أن الأوضاع في العالم والتوترات في كل مكان لا تجعل أحداً يعبأ بافتعال المشكلات بالبحرين.
من يريد أن يلجأ للأمم المتحدة لا ينبغي أن يهدد أهل البحرين بحرب أهلية على غرار المشهد العراقي، التصريحان متناقضان تماماً، ولو أن لدى الدولة تحرك قوي خارجياً لتم استغلال هذا الخطاب حتى لدى الأمم المتحدة وتثبيته على من أطلقه.
لكن من يهدد بتحويل البحرين إلى عراق آخر هو غير قادر على فعل ذلك، وعلي سلمان نفسه يعرف حجم شارعه الحقيقي، هذا هراء، وإن أقدم أي طرف على العنف والحرب الأهلية المزعومة فإنه سيكون هو الخاسر، والنار أول من ستكوي، ستكوي من أشعلها.
غير أن تصريح تحويل البحرين إلى عراق ثانٍ يكشف حالة الفشل واليأس التي وصل إليها من أطلق التصريحات، وهذا المؤشر يستطيع أي محلل أن يكتشفه.
بالمقابل فإن على الدولة أن تدرك ماذا يراد من وراء هذه التصريحات قبل الانتخابات القادمة، فمن أطلقها يبدو أنه يتحرق شوقاً للمشاركة في الانتخابات حتى لا يراكم مزيداً من الخسائر، فعدم الدخول للبرلمان هو بمثابة حالة ضياع أخرى لمدة أربعة أعوام قادمة، وبالتالي فقدان التأثير على صانع القرار من داخل المجلس.
المراد من هذه التصريحات هو أن تقوم الدولة قبل الانتخابات القادمة بإعطاء الجمعية الانقلابية ما تريد من تعديلات الدوائر على المقاس الطائفي، وأن تحصل الجمعية الانقلابية على ما تريده من مناصب وزارية لوزارات بعينها، وأن تضع أقدامها في وزارة الداخلية أكثر مما هي اليوم، حتى يحدث الانقلاب في المرة القادمة من داخل وزارة الداخلية.
بمعنى أن هذه التصريحات إنما هي محاولة يائسة للضغط على الدولة وإخافتها بأن علي سلمان سيلجأ للأمم المتحدة، أو أنه يهدد بحرب أهلية، والحرب الأهلية تحتاج إلى أدوات من أجل أن يقوم بها أي طرف، وهذا يعني من جانب آخر أن الجمعية الانقلابية تعد العدة لذلك منذ سنوات، ولا نحتاج لنشرح ما هي أدوات الحرب الأهلية.
الذي أوصل علي سلمان لـ (سن اليأس) أسباب كثيرة إقليمية ومحلية، ولكن أعتقد أن أهم الأسباب هو عدم إعطاء تنازلات من الدولة على حساب السيادة وعلى حساب أطراف وقوى أخرى، وعلى حساب الأجيال القادمة.
هذا أهم أمر جعل حالة التقهقر تصيب الجمعية الانقلابية، حتى انقلب عليها شارعها الذي لم يعد يتحمل ولا يقبل ما تفعله هذه الجمعية من تخبطات وتراجعات وانهزام من بعد أحلام ووعود إقامة الدولة الإسلامية في أيام الدوار المقبور، من مطلب الدولة الإسلامية، إلى مطلب محاصصة وزراء، ووقف التجنيس، هذا هو واقعكم اليوم.