الرأي

وقود محركات «داعش»

وقود محركات «داعش»




حين كانت خيل الانكشارية العثمانيين تصول وتجول في العراق وكان حمدي باشا والياً على البصرة لم يعجبه التحول السياسي في الكويت ووصول مبارك للحكم 1896م؛ فرسم خريطة وضع فيها الكويت كجزء من ولاية البصرة في العراق، لكن الجنرال ديلامين مزق تلك الخريطة حين مزق الجيش العثماني أواخر1914م. وحين ضيق البعثيون والقوميون بعبدالكريم قاسم ولتصدير أزمته الداخلية للخارج رسم أيضاً خريطة للعراق ضمنها الكويت1961م، لكن البعثيين سحلوه في شارع الرشيد ومعه خريطته 1963م، وحين تحررت الكويت 1991م وجدنا الخرائط العسكرية، حيث صارت حدود العراق العظيم من زاخو إلى الخفجي، لكن قرار مجلس الأمن 833 بتاريخ 27 مارس 1993م أجبر صدام على ابتلاع خريطته بصمت.
الادعاءات «الخرائطية» -أو ما يشبهها من مفردات خليجية- منفصلات في الشكل؛ لكنها متفقات في المضمون مع خريطة الدولة الإسلامية السوداء التي رسمها تنظيم «داعش»، وتضمنت دولة الكويت كجزء من الكيان الجديد. فلله در أبو بكر البغدادي الذي تعود عروق عشيرته لسامراء، ولله در الرجل الثاني النقيب السابق في جيش صدام عدنان البيلاوي (قتل)، وبقية أركان جيش داعش، فقد كانوا أوفياء لأطماع أسلافهم التوسعيين في الكويت، حتى لو تدثروا بمسوح التدين، فالكويت تغري أقوى بوصلة لتضييع اتجاهها والاستدارة نحوها؛ فهل للبعد البعثي دور في إضافة الكويت للخريطة السوداء التي نشرت مؤخراً، خصوصاً أن تنظيم «داعش» متحالف مع رجال الطريقة النقشبندية، وهوالجناح العسكري لعصابة عزة الدوري، النائب الأول صدام؟
سوف يستشيط غضباً على حروفنا كل صاحب نفس طائفي يحاول تسويق البعث وبقية أزلامه نكاية بالإيرانيين ورجالهم بالعراق، ونستطيع تفهم ذلك، لكن الإيرانيين أنفسهم ليسوا أبرياء من دم العالم العربي الذي تمزقه «داعش» ومن على شاكلتهم.
يبدأ طرف الخيط الإيراني بزيارة الشيخ صباح الأحمد -حفظه الله- لطهران مطلع الشهر الجاري، لقد ذهب شيخ الدبلوماسية يمثل الكويت، وهي الكف الوحيدة التي امتدت لمصالحة طهران. كما ذهب وهو رئيس الدورة الحالية لمجلس التعاون، وهو رئيس الدورة الحالية للجامعة العربية، ولم يكتف -حفظه الله- بما يعنيه هذا الثقل حين قابل آية الله العظمى السيد علي الخامنئي مرشد الثورة الإسلامية، بل قال من باب المجاملات الدبلوماسية إن «مرشد الثورة هو مرشد لكل المنطقة». قالها وهو المعروف بأن أحاديثه جريئة وخارج الخطوط المتعارف عليها في دبلوماسية التردد.
لكن تلك الدبلوماسية الراقية لم تكن لتثني المرشد عن الإدلاء بما أراد أن يقوله، فقد حان أوانه، فصرح سماحته «للأسف إن بعض دول المنطقة لم تلتفت إلي الخطر الذي قد تشكله التيارات التكفيرية عليها في المستقبل وما زالت تقدم الدعم لها». وأضاف أنه «ما من شك أن خطر هذه المجموعات سيطال الدول الداعمة لها في المستقبل المنظور».
فهل وقعت كلمات المرشد في دائرة التحريض، كما يراد لها، فوصل صداها «داعش» التي فكت التماس مع جيش الأسد تدريجياً انتظاراً لمثل هذه الإشارة، لتعطي نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي الذريعة التي كان ينتظرها ليعلن جاهزية قواته للتدخل في العراق حالما تتجه سيارت الدفع الرباعي التابعة لداعش من سامراء لمسافة 230 كم جنوباً باتجاه كربلاء المقدسة.
ما أسهل دحض هذا التحليل وتهاوي أعمدته عند من لا يستطيع أن يتجاوز البعد العقائدي في السياسة الإيرانية كما تجاوزتها طهران نفسها، فتتعامل مع طالبان في أفغانستان ضد واشنطن وتتعاون مع حماس والجهاد الإسلامي ضد إسرائيل وتتعامل مع البشير وغيره ممن يعدون في خانة الغريم العقائدي لإيران، لأن مساحات الاتفاق فيما بينهم تفوق مساحات الاختلاف، فطهران براغماتية حتى النخاع، تجيد الظهور بعناوين مختلفة ولغايات ومقاصد متباينة ومن منطلقات متنوعة.
ولا شك أن دور القلق التاريخي في صيانة نظرية الأمن الكويتية بعد مقدس، وهو ما دفع رئيس الوزراء الكويتي لاستعرض تطورات الوضع هاتفياً مع المالكي، ومثله اعتبار وكيل وزارة الخارجية خالد الجارالله أن تنظيم «داعش» لا يمثل فقط تهديداً للكويت فحسب؛ بل للمنطقة كلها. وقد وصلنا هنا إلى الحد الذي يمكننا فيه إطلاق التعميمات التالية دون وجل، وهي أن داعش جزء من القاعدة رغم تنكرها لهم، وهي جزء من المخطط الإيراني والبعثي، وأن خط كربلاء النجف الدفاعي قد لا يكفي لوقفهم عن تحقيق خريطتهم السوداء التي نحن من ضمنها، فهل تكفي الإجراءات الخطابية أم يحتاج الأمر لبعد تعبوي بعد معرفة نوع وقود محركات داعش؟!