الرأي

تويتر يشف عما في العقول

تويتر يشف عما في العقول

من محاسن موقع التواصل «تويتر»، الذي يعد من أكبر المواقع استخداماً بين شعوب العالم، أنه يكشف العقول ويظهر الاهتمامات ويبين خفايا الكاتب، وتستطيع من خلاله أن تعرف أهدافه ومقاصده، والفكر الذي يحمله، فإذا كانت العرب تقول «كل إناء بما فيه ينضح»، على أساس أن العقل كالإناء، فما امتلأ به فسوف يخرجه اللسان، فإن «تويتر» أصبح ينضح بما تحمله العقول، وما تخفيه النفوس، وما تكنه الضمائر، وغدا من السهل أن تتعرف عن كثب على أصدقائك القدامى، وكذا تتعرف إلى من تريد أن تصادقهم.
وإذا أردت أن تكشف الحقيقة عن أشخاص فما عليك إلا أن تتابع فيض تغريداته؛ لتعلم كيف تتعامل معهم، ولتعرف من يستحق البقاء في خارطة الذاكرة، ومن يستحق أن يجتذب إليها اجتذاباً ممن لم تكن تعرفهم، ومن ينبغي لك أن تبتعد عنه، وتتحاشى أفكاره خوفاً من لوثة ينقلها إليك.
ومن يتابع هذا الموقع فإنه يغني عن كثير من وسائل الإعلام، وصار إعلاماً حراً لا ينضبط إلا بضوابط الشخص نفسه الدينية والأخلاقية، كما أن الكاتب يظهر فيه ما لا يستطيع أن يظهره علانية في الصحف، أو البرامج التلفزيونية، حيث انكسر مقص الرقيب، وانعدمت توجيهات القناة وأهدافها، كما أنه أصبح وسيلة لمن لا يملكون منبراً إعلامياً ممن حجبوا عن الإعلام، أو أَوصد الإعلام أبوابه أمامهم؛ ولذا فإن احتدام الصراع في هذا الموقع ظاهر للعيان، بل صار كل مغرد وكاتب له جمهور من المتابعين ممن وثقوا به، ينشرون أقواله، ويذبون عنه، ويقفون معه حال الهجوم عليه، وقليل من المتابعين يقفون مع الحق، وربما صار همهم الشخص لا ما يطرحه، فينجرفون وراءه دون تمحيص القول، ومن غير تتبع لأصل الموضوع، أو معرفة كنه القضية، ولكنهم يرون القائل وكأنه لا ينطق عن الهوى، أو أن ما يقوله من قبيل الوحي، فلا يكادون يخطئونه؛ إما لجهلهم أو لمكابرتهم، ويحاولون التبرير والتعليل لما يقول، ويبحثون عن المقاصد الحسنة لذلك الكاتب، وكأنها تغني من الحق شيئاً.
وعلى المتابع أن يكون حذراً مما يدس في تلك الكتابات، فيستطيع أن يرد الشبهات، ويستنكر ما يخالف الشرع، ويعرف الذين يحاولون تدمير الدين والعقيدة، أو يحاولون اختراق الوحدة الوطنية والمجتمعية، أو يقوضون قيم المجتمع المستمدة من تعاليم الدين، إلا أن يكون القارئ على علم ودراية وحصانة علمية وثقافية تجنبه الانجراف وراء بعض الأشخاص ودعواتهم. ومما يهلك المرء أن يقول ما لا يفقه، أو يتحدث بما ليس من اختصاصه، ومن تكلم بغير فنه جاء بالعجائب؛ ولهذا ينبغي أن يتجرد المتابع من هواه، وينظر في القول لا القائل، فإن كان القول خطأ يرده مهما كان قائله، وإن كان صواباً فليأخذ به حتى وإن خرج ذلك القول من صاحب لوثة في فكره، أو سوء في سلوكه أو شبهة في دعوته، حتى يكون منصفاً مع نفسه ومخالفه.
- ومضة..
خذ الحكمة ولا يضرك من أي وعاء خرجت.