الرأي

بين سطور الصراع الانتخابي

نقطة نظام


بعد إعلان الوفاق والجمعيات التابعة لها مقاطعة الانتخابات النيابية -في حال عدم وجود ما أسموه «حلاً سياسياً»- ردت الدولة بشكل مباشر أن الانتخابات ستنظم في نوفمبر المقبل، والقارئ بين السطور كأنه يسمع جملة أن «الانتخابات قائمة بكم أو بدونكم».
أمام هذا المشهد يستطيع المراقب أن يتوصل إلى نتيجة مفادها أن الاجتماعات والتواصل الذي كان يجري بين الكواليس بين «أطراف الحوار» لم يتوصل إلى شيء مجدٍ من الممكن أن يفضي إلى أمر مرضٍ.
وفي حال تمسكت الدولة ومكوناتها بالخيار الانتخابي دون الرضوخ للابتزاز السياسي فإن هناك تحدياً كبيراً ولكنه ليس بالصعب أمام الدولة في إنجاح العملية الانتخابية كما فعلت عام 2006، ولكن هذه المرة أمام استنساخ مطور عن التجربة السابقة، لا نعلم حيثياته وتفاصيله بعد، حينما قال الأمين العام لجمعية الوفاق: «المعارضة في تطوير مقاطعتها ليس فقط للانتخابات، بل سنقاطع الممارسات الديكتاتورية في بلدنا بمختلف الوسائل وليس فقط الانتخابات»، ولكنه فسره بما أسماه «برنامج المقاومة المدنية السلمية»، وإن كانت هذه السلمية هي ذاتها التي خبرناها في 2011 وما بعدها فإن الأمر لن يخلو من الدماء طبعاً.
في هذه الأثناء أيضاً، لا يجب أن نغفل أن رد الفعل هذا، لم يأتِ من فراغ، بل هو محاولة لإخماد ما أشعله عضو الوفاق النائب مطر مطر الذي صرح أمام الكونغرس أن «الوفاق ستشارك في الانتخابات المقبلة وستدخل ضمن التشكيلة الحكومية المقبلة»، وهو خطاب موجه للخارج، الأمر الذي اصطدم أمام الخطاب الموجه للداخل، وفي كل الأحوال فإن الخطاب الموجه للخارج معتمد أكثر من الخطاب الموجه للداخل نظراً لأن الخطاب الداخلي يتضمن مراعاة عواطف الجمهور، بينما الخطاب الخارجي يراعي التطورات على الساحة الدولية والسياسية والاتفاقات التي تمت بهذا الشأن.
في المقابل، هناك نوع من الإحباط لدى الشارع السني بحاجة إلى تعبئة ومزيد من التوعية بضرورة المشاركة في الانتخابات وذلك لإثبات أكاذيب «المعارضة»، وهي تعلم جيداً أن دخولها في الانتخابات سيسبب تعبئة مضادة وشحناً لدى الشارع الآخر قد تكون هي سبباً في تقديمه للدولة على طبق من ذهب.
التفسير الآخر لما يجري، أن الوفاق لا تريد لإخراج المسرحية أن يتم بهذا الشكل الذي لا يحفظ ماء وجهها، فقد يكون هناك بالفعل اتفاق على كل شيء، ولكن بهذه الطريقة التي تضع الوفاق أمام حرج أدبي وأخلاقي استدعت بأمين عامها أن يستنفر ذاته أمام الجمهور ويهتف بالمقاطعة تماماً كما كان يفعل قبل 2006، إلا أن الأوضاع سرعان ما تتغير، وتتغير الكلمات والمصطلحات والمواقف، وفجأة نرى الوفاق داخل قبة البرلمان مرة أخرى، نعم المراقب يعلم جيداً أن هذا الخيار وارد وبقوة.
في ذات الوقت، فإن الدولة -وإن كانت هناك اتفاقات- فإنها لا تسمح لأن يخرج رجل من المعارضة ليستعرض عضلاته ويقول إنه سيقاطع، فكان الإعلان عن موعد الانتخابات المقبلة كرد لصفة إعلان المقاطعة.
يتضح مما سبق أن التحكم بالجمهور وطريقة إقناعه عملية مهمة وعنصر لا يستطيع أي طرف أن يتغاضى عنه، وأنه محكوم به وقد يتعدى ذلك موضوع أي اتفاق من الممكن أن يجري، خاصة بالنسبة للوفاق التي لا تستطيع أن تعيد تجربة «الكتلة الإيمانية» وسط كل الأضواء الدولية المسلطة على المملكة بحيث تظهر بصورة ثيوقراطية تابعة لإيران شكلاً ومضموناً، بل تريد أن تثبت زخرفها الديمقراطي الزائف بأي وسيلة.