الرأي

أنتِ يا لعبتنا القديمة..!!

أبيض وأسود









قبل أيام وخلال هذا الشهر «أغسطس وهو ربما أكثر شهور السنة حرارة ورطوبة بالبحرين» لاحظت بعض السحب العالية في السماء، أعدت النظر وأمعنته، فوجدت أن ما رأيته كان صحيحاً.
فغالباً ما تكون السماء في هذا الشهر صحواً، أو يكون الجو مزيجاً بين الرطوبة والغبار والحر، لكن يبدو أن بعض إشارات تحول الجو في الجزيرة العربية بدأت بشكل يسير، وهذا يجعلنا نتذكر الحديث الشريف لأعظم الخلق صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فقد جاء في الحديث أن الجزيرة العربية تعود مروجاً خضراء في آخر الزمان، وهو الصادق المصدوق، وهذا سيحدث يوماً ما.
لست هنا أتقمص دور متنبئ جوي أو خبير أرصاد، ولست أعرف من حالة الجو شيئاً سوى ما أراه بعيني من تغيرات أو ما أسمعه من كبار السن حول علامات قدوم فصل معين، ولست أعرف من الطقس سوى ما أراه في السيارة حين أقرأ درجات الحرارة، أو أراه في الهاتف الذي يحمل تنبؤاً لخمسة أيام قادمة.
إلا أني أقول إن ما يحدث اليوم في المنطقة العربية وكأنه بداية للتحولات الكبيرة، فحرب غزة مثلاً أظهرت قوة أهلها وتطوير قدراتهم، فلم تعد الاستراتيجية السابقة قائمة، وهي انتظار العدو للقدوم إلى القطاع، وإنما أصبح أهل غزة يهاجمون الصهاينة ويكبدونهم خسائر، وأصبح أهل غزة يمتلكون طائرة بدون طيار، وهذا لا يتوفر لدول تملك ثروات وجيوشاً، لكنها لا تطور قدراتها داخلياً رغم وجود العقول والكوادر، وتعتمد هذه الدول على ما تلقيه أمريكا عليهم من أسلحة قديمة.
الصهاينة ظنوا أن الحصون مانعتهم، أو أن الحواجز والأسوار الإسمنتية تحميهم، إلا أن هذه الحواجز جعلت أهل غزة يطورون إمكانياتهم، فأصبح لديهم صواريخ، قاموا بحفر الأنفاق، دربوا القناصة، وهذه الحواجز قللت العمليات الاستشهادية صحيح؛ لكنها جعلت أهل غزة يرسلون الموت والرعب إلى الصهاينة عن بعد.
أعتقد أن الأمريكان والغرب حين شجعوا الثورات ودعموها لم يحسبوا حساب أمور كثيرة، ومن الواضح أن حساباتهم كانت ومازالت خاطئة، حتى مع نجاحهم في إحلال الفوضى في دول كبيرة، إلا أن مرحلة ما بعد الفوضى لن تتحكم فيها أمريكا وهي التي دخلت مرحلة شيخوخة الحضارات، ولا أحد يستبعد أن تنهار من الداخل يوماً ما.
خاصة إذا ما حدثت هزات كبيرة للاقتصاد، كما حدث سابقاً، ويحدث لها كما تفعل هي في دول المسلمين حين تفتت الدول وتقسمها، فتنفصل الولايات الأمريكية عن بعضها وتتفتت..!
تشجيع بعض الثورات أدخل بلداناً في فوضى وهي التي على بوابة أوروبا مثل ليبيا، فقد أصبحت ليبيا اليوم هاجساً مؤرقاً للأوربيين والأمريكان، يخافون مما يحدث هناك والذي سيسيطر على حقول النفط، وبالتالي قد تكون ليبيا بوابة الأرق وتصدير الخوف إلى أوروبا.
مما سبق فإن شواهد كثيرة تظهر أننا دخلنا مرحلة المخاضات في المنطقة العربية إيذاناً بخروج أشكال ونماذج جديدة للدول وللقوى، وهذه المخاضات لن يستطيع أحد إيقافها إذا ما ضرب أي دولة، سيكون من المتعسر التحكم بها، فكما أسلفت أمس هي مرحلة فوضى وغبار كثيف، وهرج ومرج لا أحد يعرف نهايته أو ما سيؤول إليه.
في حديث آخر للرسول صلى الله عليه وسلم قال بما معناه: «إن في آخر الزمان لا القاتل يعلم لماذا قَتل، ولا المقتول يعلم لماذا قُتل».
وهذا ما نراه اليوم؛ دماء تسيل في كل مكان، أمريكا تقصف العزل والمدنيين بطائرات دون طيار يتحكم بها شخص وكأنه يمارس ألعاب الفيديو، هذا القتل يحدث في اليمن وباكستان وأفغانستان، والقتل يحدث اليوم بين المسلمين أنفسهم أيضاً، وأغلب هذا القتل يكون باسم الدين، حتى القاتل يقتل ولا يعلم لماذا قتل، وهذا يظهر أن إشارات آخر الزمان تظهر.
تذكرت لوهلة تلك اللعبة التي كنا نلعبها في الحدائق، تلك اللعبة التي تشبه الصحن الدائري وبها كراسٍ، وهذا الصحن دوار ومرتفع عن الأرض، فعندما نجلس يأتي أحد من الخارج يدفعنا لندور؛ هناك من يخاف وهناك من يفرح، وهناك من يريد إيقاف اللعبة وهناك من يريد زيادة السرعة.
هذه اللعبة التي كانت في مخيلتنا، وربما بعضها مازل موجوداً، هي تشبه ما يراد له أن يحدث لنا، نكون في أمان الله لكن فجأة يأتي أحد من الخارج ويدفعنا لندور حول أنفسنا، ويفرح البعض في الداخل ويقوم هو أيضاً بالفوضى، فهي فرصة كبيرة وسانحة وقد لا تتكرر، بينما لا نعلم ماذا يجري لنا، ولا نعرف المصير، ويصبح الذي يدفعنا هو المتحكم في مصيرنا..!
إن لم نحصن أنفسنا ودولنا ممن سيأتي ويدفعنا فإن عملية إيقاف من يدفعنا لن نتمكن منها في ساعتها.
التحصين لا يكون بالجيوش والقوانين فقط رغم أهميتها، بل بالعدل والحق، وأن ندعو الله أن يجنبنا ذلك المصير، وهذا الدعاء يتطلب أن نتوقف عن محاربة الله في أرضه، وأن نحرم ما حرمه، فالأمن والأمان والسلام والطمأنينة كل ذلك هبة من عند الواحد الأحد يهبها لمن يشاء.
كل ما سلف لا تحققه جيوش أو قوات أمن، مع أهميتها، إلا أن المشهد العربي أمامكم، جيوش كبيرة كان وجودها بعضها انهار في ساعات.
نتمنى أن نعي أن الأمن ليس قرارات وليس حزماً وقوة فقط، كل ذلك مطلوب نعم، إلا أن الأمن والأمان يسبغه الله على عباده من عنده، ومن يقرأ القرآن الكريم تأتيه العبر والدروس وأخبار من سلف.