الرأي

الذين لا يشكرون الله

بنادر



يربكني؛ يربكني تماماً حينما ألتقي بإنسان أكبر من عمري بعشرين سنة يملك من نعم الله الكثير؛ الصحة التامة، رصيداً في البنك، أكثر من عمارة، مركزاً اجتماعياً مرموقاً، اسمه يتردد على ألسنة الآخرين، ثم أراه محبطاً، يائساً، مهزوماً، متبرماً، شاكياً، حيث لم يحصل على التقدير والمكانة الذي يستحق.
قلت يربكني، وهذا صحيح، ماذا أقول لهذا النمط الغريب من البشر؟ النمط الذي لو يحصل على كل الأشياء التي يحلم لطالب بالأكثر، لا أستطيع أن أقول له مباشرة: أنت أحد الكافرين بنعمة الله، ولا ماذا تريد أكثر من ذلك. أنت من القلة التي أعطاها الله الكثير، وبدلاً من الشكر والحمد والثناء على ما أعطاك الله تقوم بالشكوى والتذمر.
شخصياً؛ أرى أن كل من أعطاه الله وجبة يومه وسقف آمن ينام تحته وأولاده قربه، فهو قد حاز على نعم الدنيا كلها، حاز على رضا الرب عنها، وعليه أن يشكر ما عنده، فهو يعيش أفضل من ملايين البشر الذين نراهم في كل قارات العالم، شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، جبالها أو سهولها، بعيداً عن الكوارث الطبيعية وبعيداً عن الحروب المصنوعة من أجل إبادة البشر، مرة باسم احتلال أرض ومرة باسم إحلال مذهب، ومرة باسم فرض دين معين على الآخرين.
وأرى أن مثل هذا النموذج الذي ذكرت عليه أن يسحب من أذنه إلى أقرب مستشفى ليرى حالات الناس المحاصرين بالأمراض التي لا تعد ولا تحصى، ويسحب من أذنه مرة أخرى ليربط أمام شاشات التلفزيون ليشاهد الأطفال في فلسطين وكيف يفطرون في رمضان بقطعة خيار وقطعة جبن وزيتون، أو ليشاهدهم وهم تحت القصف اليومي من طائرات ودبابات العدو الصهيوني، ليشاهد القتلى والنازحين من الأراضي السورية، ليشاهد الأخوة المسحيين وهم يهجرون من بيوتهم وأراضيهم في شمال العراق إلى المجهول المفتوح أمامهم بلا نهاية، التيه وشتات آخر.
بعض الأحيان أتخيل أنني أملك القوة الهائلة والقدرة على أخذ مثل هؤلاء إلى المناطق المكتظة بالكوارث والحروب الأهلية، واضعهم في بؤرة الدمار والخراب والجوع والمعاناة التي لا تنتهي إلا لتبدأ بصورة أقسى، وأقول لهم لا أريد سوى أن تعيشوا بعض اللحظات التي يعيشها المحاصرون بالرعب من كل شيء، الرعب من عدم الحصول على اللقمة، الرعب من عدم وجود سقف آمن، الرعب من وجودهم تحت نيران القصف، كأنما الواحد منهم ينتظر لحظة مغادرته هذا العالم.
ربما هو يشاهد هذه الأوضاع على شاشة التلفزيون، يشاهد الدمار الهائل، يشاهد الأطفال القتلى، يشاهد شهيداً يبحث عن من يدفنه، أقول ربما يشاهد؛ لكن بسبب انشغاله الكبير بتذمره وشكواه عن عدم تقدير الدولة أو الآخرين له يتحول قلبه إلى حجر أكثر جامد، يرى ولا يرى، يسمع ولا يتحرك فيه نبض إنساني أو تعاطف بشري.
من حق الإنسان أن يطالب بالأفضل، ولكن كيف يمكن أن يحصل على أفضل مما يملك وهو لا يشكر النعم الربانية، لا يشكر الأرض التي عليها نما وكبر وحصل ما حصل عليه من إمكانيات حياتية لا يحصل عليها إلا القلة في هذا الكوكب.
اللهم أبعدني عن الالتقاء بمثل هذه النماذج البشرية الغريبة، التي تربكني وتخرب يومي وتجعلني أهرب من كل اللقاءات القادمة.
كل من لا يشكر الله على ما يملك من خير سوف تزول كل النعم التي أعطاها الله له في حياته، سيراها وهي تزول واحدة بعد الأخرى في حياته، فاشكر الله لكي تزيد لديك النعم، وهو خير القائلين «ولئن شكرتم لأزيدنكم».