الرأي

إجهاض المشروع الأمريكي.. هل يأتي من مصر؟

أبيض وأسود



بعيداً عن كل تداعيات المرحلة السابقة في مصر الحبيبة، قد تكون هناك أخطاء حدثت، كما إن هناك دماء سالت، لم نكن نتمنى أن يحدث ذلك لأهلنا في مصر بعيداً عن الانتماءات أو التحزبات، فالدماء هي لأناس مسلمين وكانت مؤلمة لنا جميعاً.
إنها مرحلة طويت اليوم بانتخاب الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسي، وهي مرحلة ليست في حدود مصر الجغرافية، بل أبعد بكثير من الحدود المصرية، فهذا التحول إنما يشكل بروز محور جديد في المنطقة، هذا المحور ربما يكون بديلاً أو متوازياً مع تحالفات دول الخليج تحديداً مع القوى العالمية، كما إن هذا التحالف أيضاً رسالة للقوى العالمية في ذات الوقت.
هناك لاعب يتميز بالدهاء كانت له يد فيما جرى ويجري، وهذا اللاعب مستتر لا يظهر للعامة ولا يعرفون دوره الكبير رغم أنه يعتبر العقل المدبر لأمور كثيرة حدثت، هذا العقل المدبر كان عقله ويداه تعملان في الخفاء من أجل أن تخرج الصورة التي نراها اليوم في المنطقة، وهذا يحسب لعقله ودهائه.
لهذا العقل الذكي والخبير دور كبير في فهم ما يجري في المنطقة بقيادة أمريكا التي كانت تريد أن تكون البحرين بداية التحول في المنطقة الخليجية حين دعمت المتطرفين الشيعة ودربتهم وأعدتهم لساعة التغيير في 2011، إلا أن إرادة الله سبقت المشروع الأمريكي، والله سبحانه وفق قادة المنطقة، وأولهم جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه، لوضع سيناريو مغاير للسيناريو الأمريكي (بالتعاون مع السعودية والإمارات أولاً، وبإذن الله مصر حاضراً) فقد كان جلالة الملك صاحب نظرة بعيدة جداً بما يمتلكه من ذكاء وفطنة وخبرة يشهد لها من كان يظن أن البحرين هي أسهل البوابات للدخول إلى السعودية.
اليوم يتشكل حلف قوي في المنطقة، هذا الحلف يرتكز على الدول الرئيسة في الخليج ومصر التي ينتظر أن تنهض بعد فشل المشروع الأمريكي في تحويلها إلى (الفوضى المدمرة) وتدمير جيشها بأيادي شعبها (هكذا كان يريد الأمريكان)، أو تحويل مصر إلى سوريا أو عراق أخرى.
تذكرت تصريح لرئيس سابق لهيئة الأركان الأمريكية الجنرال هيو شيلتون أدلى به لشبكة فوكس نيوز حيث توقع: «عودة الهدوء إلى مصر بعد أن أجهز الفريق عبدالفتاح السيسى على مشروع الشرق الأوسط الجديد»، وقال، في المقابلة: «إن السيسي اكتشف المؤامرة الأمريكية لدعم جماعة الإخوان، ما أدى إلى الإطاحة بمرسى»، وأضاف شيلتون: «أن السيسي لو لم يتخذ القرار بخلع مرسي في 3 يوليو 2013 لكانت مصر ستلقى مصير سوريا وسيتم تدمير جيشها، مشيراً إلى أن مصر نجحت في وقف حملة أوباما لزعزعة الاستقرار بمصر».
وأضاف شيلتون: «إن إدارة الرئيس باراك أوباما عملت على زعزعة استقرار الأنظمة في مصر والبحرين». وأشار إلى أن «الاضطراريات التي شهدتها البحرين وتزعمها الشيعة في العامين الماضيين كانت بتنسيق أجهزة الاستخبارات الأمريكية؛ فقد ظنت الإدارة الأمريكية أن البحرين ستكون مفتاح الانهيار لأنظمة دول مجلس التعاون الخليجي، ما يمهد الطريق لبعض شركات البترول العملاقة للسيطرة على آبار النفط».
انتهت تصريحات رئيس هيئة الأركان الأمريكية السابق، هذه التصريحات كانت في أكتوبر 2013، وأذكر أن الإدارة الأمريكية نفت هذه التصريحات بعد ذلك، وأنها أرغمت رئيس هيئة الأركان على نفيها وتمت إزالتها من موقع الصحيفة، وهذا أمر معتاد من الأمريكان.
أعرف أن هناك أخطاء كثيرة حدثت في مصر، غير أن الهدف الأكبر أهم بكثير من أن تدخل مصر في نفق الفوضى الأمريكية لتدميرها من خلال جعل المصريين أنفسهم يدمرون جيشهم من غير أن تتدخل إسرائيل أو أمريكا.
كل هذا المخاض الذي بدأ يتدحرج في 2011 ونهاية 2010، كان الهدف منه الوصول إلى دول الخليج، وتحديداً السعودية، بإحداث الفوضى في مصر، من بعدها يُمكن الأمريكان حلفاءهم الشيعة من البحرين، فتتم محاصرة السعودية من مصر من جهة، والبحرين من جهة أخرى، والحوثيين من اليمن، كما إن هناك سيناريو للكويت، وسيناريو للإمارات.
البعض يرى أن انتخاب السيسي إنما هو عودة للجيش ليحكم مصر، وهذه صورة صغيرة جداً، إنما المشهد الأكبر هو أن تبقى مصر كما كانت رائدة في المنطقة، ومحور رئيس وقوي يتدخل بقوة في تشكيل سياسات المنطقة بأسرها، وتكون مصر لاعباً رئيساً ومحورياً ومؤثراً بقوة فيما يجري من ترتيبات في المنطقة.
لم تكن كلمات جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه للرئيس المصري بعد تنصيبه كلمات عابرة، فقد قال: «إن مصيرنا واحد، ونحن شركاء في استقرار مصر».
كلمة «المصير الواحد» كلمة لها دلالات كثيرة، وقد قال قبلها الرئيس السيسي إن أمن الخليج خطاً أحمر، وإن جيش مصر يتحرك «مسافة السكة» لأي طارئ بالخليج، وهذا الذي لم تكن تريده أمريكا، فقد كانوا يريدون أن تنشغل كل دولة بأوضاعها الداخلية، عندها لن تستطيع أي دولة مهما كانت كبيرة أن تنتشل أي دولة أخرى من مستنقع أمريكي هناك، ومصر ستكون لديها أزمة داخلية كبيرة تنشغل بها عن أي دور إقليمي.
يتشكل المحور الخليجي من (السعودية، الإمارات، البحرين الكويت) إضافة إلى المحور المصري الأردني وربما المغربي، إضافة إلى باكستان على الطرف الآخر، إنما هو أكبر ضربة قاصمة للمشروع الأمريكي الصفوي للتغيير في المنطقة.
كما إن لو دعمت دول الخليج المعارضة المعتدلة بسوريا وقدمت لها أسلحة نوعية حتى تتغير الأمور في سوريا، فسيكون محوراً كبيراً في المنطقة يكسر الهلال الشيعي، وربما يصبح الهلال شهاباً..!
أعتقد، بل أجزم، أن ما قاله رئيس هيئة الأركان الأمريكية السابق كان محقاً فيه، وهو أن قدوم السيسي أجهز على المشروع الأمريكي لإحلال الفوضى في مصر وجعلها صورة كاربونية من العراق أو سوريا، وهذه الفوضى أكبر هدية لإسرائيل وإيران على حد سواء.
هناك سؤال كبير يفرض نفسه أيضاً؛ لماذا بدت كل هذه المخاوف والتوجسات الإيرانية من قدوم السيسي؟
ربما يدرك الإيرانيون وهم (يلعبون سياسة جيداً) أن هذا التغيير يجهض مشروعهم بالتعاون مع الأمريكان لتمكين الشيعة، من بعد أن نجح التعاون بين إيران وأمريكا في إدخال العراق في الفوضى، حين سلمت أمريكا العراق على طبق من ذهب لإيران.
أعتقد أن مسؤولاً خليجياً رفيعاً قد قال يوماً؛ «أكبر خطأ ارتكبناه في حق أنفسنا هو مساعدتنا للأمريكان من أجل احتلال العراق».
وأعتقد أن ما يحدث في المنطقة اليوم كان جزءاً كبيراً منه هو بسبب الاحتلال الأمريكي للعراق، ومن بعده الاحتلال الإيراني للعراق، حتى تدحرجت الكرة وكبرت، ثم اختل توازن المنطقة فصعدت قوة إيران الوهمية دون أن تقابلها قوة أخرى رادعة.
مصر اليوم بحاجة للأموال الخليجية لإعادة البناء من جديد وبناء جيش قوي، بالمقابل تحتاج دول الخليج إلى المواقف المصرية أولاً، ومن ثم إلى القوة المصرية والجيش المصري، الطرفان يحتاج كل منهما إلى الآخر، ونتمنى أن تحدث علاقة تكاملية جراء هذا التحالف الذي يتوقع أن يكون رادعاً لمؤامرات كبيرة بالمنطقة.
** رذاذ
في تقديري أن تأخير الحوار في البحرين لم يكن أمراً اعتباطياً، كما إن تأجيل أمور أخرى لم يكن مصادفة.
أعتقد أن كل ذلك حدث انتظاراً لحدوث التغيير في مصر بعد الانتخابات، ذلك أن ما يحدث في مصر يُلقي بظلاله على المنطقة بأسرها، فحتى الانقلابيين في البحرين يدركون تماماً حجم هذا التغيير وتأثيره عليهم داخلياً.
لذلك هم في دوامة الصدمة، كما أخذوا يصرخون حين تم تعيين الأمير زيد بن رعد مفوضاً سامياً لحقوق الإنسان، وكأن زيد بن رعد أحد أفراد العائلة الحاكمة في البحرين، لكن الصراخ على قدر الألم.
كل التأخير الذي حدث كان مرتباً، وأن الانقلابيين أخذوا يتضاربون بعضهم ببعض بعد التخبطات والفشل، حتى إنهم أطلقوا وثيقة لعدم التراشق فيما بينهم.