الرأي

كارثة «التنجيح» العشوائي في مدارسنا

رؤى

يبدو أن العملية التعليمية في كثير من مدارس البحرين باتت في خطر؛ خصوصاً مع اهتمام وزارة التربية وكثير من الهيئات التعليمية بالشكل الخارجي للتعليم «القشور»، ومع كثير من الزينة وتجميل المظهر الخارجي للمباني التعليمية.
هنالك العديد من المؤاخذات في هذا الجانب من طرفنا تجاه وزارة التربية والتعليم، ومعها غالبية مدارس البحرين، لكننا سنتناول هنا مسألة في غاية الخطورة، وهي مسألة «تنجيح» الطلبة بطريقة قسرية، حتى لو كان الطالب لا يعرف كل الحروف والأرقام.
من منا يصدق أن طالباً وصل لمرحلة الصف السادس الابتدائي لا يعرف ولا يستطيع أن يقرأ أو يكتب كلمة «is» باللغة الإنجليزية؟ هنا بدورنا نتساءل؛ كيف وصل هذا الطالب إلى الصف السادس وهو لا يعرف أن يقرأ أبسط كلمة باللغة الإنجليزية؟ وكيف تخطى هذا الطالب كل المراحل الخمس السابقة من الصفوف التعليمية، وهو بهذا المستوى الضعيف للغاية في فهم وتعلم أبسط قواعد اللغة الإنجليزية؟ وكيف سيستطيع هذا الطالب المسكين بعد أن «يُنجَّح» من الصف السادس بقوة الغش والتلاعب من قبل معلميه، أن يتعامل مع المرحلة الإعدادية، والتي بدورها سوف تتغاضى عن ضعفه اللغوي لتنقله إلى المرحلة الثانوية بذات الطريقة؟
إدارات مدرسية مطالبة أن تحسن صورتها في نظر المسؤولين في الوزارة، فتقوم بتنجيح أكبر عدد ممكن من طلبتها، والتبرع لهم بعلامات مجانية، سواء كانوا يستحقون النجاح أم لا، كما إن الوزارة ستطالب الإدارات التعليمية بهذا المنهج «البطالي» فقط من أجل أن تكون نسب النجاح مرتفعة في كل المدارس، بغض النظر عن مخرجات التعليم ومستواه الحقيقي!
المعلمون اليوم في ورطة، وليس أمامهم سوى خيارين؛ إما أن يعملوا وفق قيمهم وضميرهم فيقوموا «بترسيب» من لا يستحق النجاح، فيكونوا في نظر الوزارة والإدارة التعليمية التابعة لهم غير أكفاء لهذه المهمة المقدسة، أو أن يعملوا بخلاف ضميرهم المهني لينالوا إعجاب وتصفيق الوزارة.
في كل الحالات سيكون الضحية هو الطالب، والضحية الأكبر هو الوطن، فالطالب الجامعي الذي لا يعرف أن يقرأ العربية أو حتى الإنجليزية، وهي الأدوات الأولية للمعرفة والعلوم، كيف له أن يبدع ويعطي في مجاله وتخصصه؟ وكيف سيواجه صعوبات التعليم الجامعي مستقبلاً؟ إلا إذا كانت الجامعات تسير على ذات النهج الذي تسير عليه مدارس البحرين.
العيب ليس في أن يتخلف أو يرسب الطالب في مدرسته وتعليمه، فهذه أمور طبيعية تحدث في كل دول العالم، هذا ناهيك عن المستوى المتفاوت في عقلية واستيعاب الطلبة، لكن العيب الأكبر أن يقوم المدرس بتوجيه من إدارته، التي تخاف من وزارتها، بتنجيح طالب لا يعرف القراءة والكتابة، حتى يجد نفسه في نهاية الأمر أمام جدار من الجهل لا يستطيع أن يتخطاه، وربما يكون أضحوكة في نظر المجتمع، والسبب هو اهتمام المؤسسات التعليمية العامة والخاصة والراعي لهما بالقشور وتحطيم الأرقام القياسية في مستويات التعليم «الكم»، على حساب التعليم نفسه «الكيف». أتمنى أن تكون «وَضَحَتْ الفكرة».