الرأي

سفر «الخروج» المكلف

كلمة أخيرة

يبدو أن هناك أكثر من طرف يحاول أن يساعد «الوفاق» في البحث لها عن مخرج أكثر مما يساعد البحرين في شق طريقها لتعزيز دولة القانون والمؤسسات، معتقداً أن مساعدة الوفاق هي مساعدة للبحرين.
بل إن هناك من هو مستعد أن «يكلفت» التسوية «بأي ثمن» حتى لو كان الثمن مساساً بسلطة القانون ومؤسساته معتقداً أن مجرد دخول الوفاق للانتخابات، ستعيش البحرين في تبات ونبات وستلد صبياناً وبنات.
أول هذه الأطراف هم «الأمريكان» وقد ذكر المدعو فاضل عباس الذي كان يوماً «جمعية» أن أعضاء الوفاق يجلسون كالتلاميذ أمام الوفود الأمريكية يستمعون لأوامرهم عفواً «لنصائحهم» ويبدو أن النصائح انصبت في الآونة الأخيرة على دفعهم للدخول من جديد في البرلمان، فمسألة إسقاط النظام أو تغييره أو مجلس تأسيسي جديد أو نسف للميثاق كما كانوا يخططون مسألة ما عادت مطروحة بتاتاً للضغط الأمريكي، وليس أمام الوفاق الآن سوى العودة للقافلة، فلا تصدعوا رؤوسنا، لدينا من هم أهم منكم الآن، إنما بالتأكيد سنبحث لكم عن مخرج ما.
ثم ما سرب من أقوال وصفت بالمرونة من «سفير» الوفاق في أمريكا المدعو مطر مطر، تصب في ذات الاتجاه، إذ أكد على دخول الوفاق في الانتخابات بمعنى حاضر يا أمريكا سنسمع الكلام، وسندخل الحكومة!! وكان هذا مقابل ذاك.
أما تصريحات المدعو علي سلمان النافية والمتشنجة لهذا القول وتلك النصائح، فلها تفسيران إما أنها مجرد أداة ضغط للحصول على أكبر قدر من المكاسب في التسوية النهائية نظير قبولهم بدخول الانتخابات، وحين يحين الموعد سيدخلون بأي فتات يلقى لهم، أو أن الأمور فعلاً متأزمة داخل الوفاق والجناح الأمريكي فيها لم يحسمها لصالحه بعد.
ويبدو أن الطرف الأمريكي يحاول أن يشق طريقه عبر «النصائح» مع كل الأطراف ذات العلاقة لمساعدة الوفاق -لا لمساعدة البحرين فهناك فرق- بمقابلة رموز القيادة، بمقابلة تجمع الوحدة الوطنية، تحركات مكوكية تحاول أن تستعين فيها بأحد الأطراف المعنية كي يساعد الوفاق على الخروج من خلال إيجاد «تسوية» يراد الترويج لها على أنها تسوية مقبولة من كل الأطراف، ولن يرفضها سوى المأزمين المعقدين المتشددين الطائفيين المستفيدين من الأزمة.. إلخ من تصنيفات جاهزة.
في نهاية المطاف الذي ينظر إلى أن البحرين كدولة تعيش أزمة، لأن الوفاق هي التي تعيش أزمة، هو بذاته من يشكل للبحرين أزمة، هو بقصر نظره وقصر نفسه من لا يعرف عمق الدولة البحرينية وصدق فعلاً أن الوفاق هي البحرين والبحرين هي الوفاق، وأي طرف يحسبها هذه الحسبة مستعد أن ينسف الدولة وأساسها ودستورها وميثاقها وقانونها أثناء بحثه عن مخرج للوفاق اعتقاداً منه أنه إنما ينقذ البحرين!
هذا المنظور القاصر الذي لا يتجاوز أبعد من موقع القدم هو الذي يسترخص الأثمان كما يسترخص الأوطان، أثمان مكلفة يدفعها معتقداً أنها مجرد أوراق تسوية فالأهم بالنسبة له هو «الخروج» من الأزمة.
أحد الأثمان التي تحاول الوفاق أن تمررها هو التدخل في القضاء لإطلاق سراح من أدين بمحاولة الانقلاب على الدستور والميثاق ونظام الحكم، وليس هناك مخرج لهذا الثمن إلا بعفو ملكي خامس عشر، وهو يعد هنا بعد العود والتكرار انتهاكاً للقضاء وحرمته، فهل هذا ثمن يعادل قبول الوفاق الدخول في الانتخابات؟ هل انتهاك القضاء والتدخل فيه يساعد في تحقيق مطلب استقلالية القضاء الذي تدندن به الوفاق ونطالب الولايات المتحدة الأمريكية في المساعدة على تطويره؟!
ثمن آخر ممكن أن يدفع من أجل قبول الوفاق بالدخول للانتخابات هو محاصصة التوزير، منا وزير ومنكم وزير، فهل نظام المحاصصة الطائفية مساعدة للوفاق أم إصابة للبحرين في مقتل؟
البحرين بحاجة لمن يساعدها على أن تبني «دولة» وليست بحاجة إلى من يساعد الوفاق كي تحكم هذه الدولة، والفارق شاسع بين الاثنين.
الرافض للسيناريوهات المطروحة ليس مؤزماً ولا متشدداً ولا رافضاً لأنه مستفيد كما يروجون، ولا رافضاً لإنهاء أزمة أهل القرى وتحريرهم من حصار الشيرازيين والوفاقيين.
الرافض لهذه السيناريوهات رافض لها لأنها جميعها مبنية على هدم أسس الدولة المدنية دولة القانون والمؤسسات، سيناريوهات تكرس الإرهاب طريقاً للتغيير، وتكرس المحاصصة الطائفية نتيجة، وتكرس تدويل أي خلاف محلي، وفوق هذا كله فإنها سيناريوهات لن تنهي الإرهاب والأعمال الإرهابية التي ستستمر، مازالت إيران راعية لها، ومازالت هناك تدفقات نقدية لتمويلها، ولا يمكن لمحب لهذا الوطن مخلص لها متمسك بمبادئ الدولة المدنية أن يقبل أن يدفع تلك الأثمان مقابل مكسب واحد فقط لا غيره هو أن يقول لنا الأمريكان «well done».