الرأي

«حفتر» ينسف خط قطار الخليج للقمة التشاورية

«حفتر» ينسف خط قطار الخليج للقمة التشاورية

من أهازيح اللعب عند البنات في تراثنا أن «الصندوق ماله مفتاح.. والمفتاح عند الحداد.. والحداد يبي فلوس.. والفلوس عند العروس»، وتستمر المتوالية الشرطية حتى تصل إلى المطر، وتنتهي بأن علم المطر عند الله.
مثلها تستمر المتوالية الشرطية الخليجية؛ فحين تعجز القمم الخليجية العادية في ديسمبرمن كل عام عن بلورة موقف موحد، ولمساعدتها لتجاوز اليأس، تقترب منها القمة التشاورية، فتُربت بحميمية على كتفها المرهق بحمل بنود ترحل من قمة لقمة طوال 33 عاماً، تُربت على كتفها وتعدها بفرصة أخرى في مايو خلال نفس الدورة؛ لكن بشروط.
على هذا المنوال عقدت القمم التشاورية، التي هي فكرة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في قمة الكويت 1997م، وهي في ذهن المراقب الخليجي القمة التي تعقد في الرياض دوماً، مما يعني توفر زخم إضافي لنجاحها يساوي ثقل الرياض نفسه؛ رغم أنه لا يصدر في العادة بيان ختامي في نهايتها، ولأنها قمة يوم واحد فليس للقمم التشاورية جدول أعمال محدد بقدر ما هي نظرة جدية يتم فيها تأصيل الروح العائلية الخليجية، وغياب الجدول المحدد يخلق الكثير من مساحات الفراغ في الصورة الاستشرافية التي يحاول المراقب الخليجي رسمها، فتنشط التكهنات.
لكن قمة 2014 التشاورية لن تعقد كالعادة في مايو الجاري، فقد انقضى جله، فهل دخلت في المتوالية الشرطية الخليجية! نريد أن تعقد القمة التشاورية رغم قصرها وسريتها، ورغم أنها لن تكون مختلفة عما سبقها، فقد تكون مهمة غير أنها ليست استثنائية، فهي جلسة يعاد فيها بعث الرسائل التي تمت كتابتها في قمة الكويت ومضمونها أن المجلس يدرك التغييرات البنيوية التي طرأت على خريطة الجوار الإقليمي.
وفيما نحن نترقب انعقاد القمة التشاورية تحتفل الأمانة العامة بمرر 33 على قيام المجلس، وفي صدى مفردات «مسيرة التعاون» ودفع عجلة التعاون بين أقطاره و«الاقتصاد هو المحرك لعربات قطار التعاون» يتشكل أمامنا قطار ضخم سريع لا تمتد قضبانه البالغ طولها 2116 كلم من الكويت إلى مسقط فحسب؛ بل تمتد إلى المستقبل؛ ولم لا؛ فقد أصبح للمجلس القدرة على خلق مناخات استراتيجية تستحق التمعن، في اليمن ومصر، بل وفي سوريا وليبيا.
فيما قطار التعاون الخليجي يسير في الصحراء الواسعة تبرز له بين تلة وأخرى أعمدة التلغراف الخشبية المغبرة؛ تونس وحشته فيحييها بصفيره، ومن بين العوسج وشجيرات الرمث والعرفج العطشان، وكما في فيلم لورنس العرب، يبرز اللواء المتقاعد الأشمط «خليفه حفتر»، وفي وجهه كدمات الفرقة الأجنبية الفرنسية منذ حرب تشاد 1986م، يبرز ويديه على مقبضي صاعق يفجر به خط سكة حديد مجلس التعاون، كما فعل عقيد الحويطات الشيخ عودة أبو تايه رحمه الله في سكة حديد الحجاز.
وكما في أهازيج بناتنا ومتوالية «لا مفتاح بدون مطر»، تتفكك الأحجية التى استعصت زمنا، وهي ان القمة التشاورية ليست جاهزة للانعقاد، فالمفتاح عند الحداد، واللجنة المكلفة بمتابعة تنفيذ آلية «اتفاق الرياض» حول ملف قضية سحب السفراء لم تنته، ونتائج ذلك الملف لن تخضع -في تقديرنا- إلا بصعوبة لتعريف إيجابي؛ ليس لغياب ثقافة التصالح الخليجية فحسب؛ بل لأن المناخات الاستراتيجية التي خلقناها هنا وهناك عادت لتطالب باستحقاقاتها، ولتخصم من رصيد التعاون، فتسبب ضمور الروح الوحدوية الخليجية.
لن تعقد القمة التشاورية حتى تنتهي اللجنة من عملها، ولن تنتهي اللجنة من عملها إلا بعد اصلاح خط سكة حديد مجلس التعاون الذي فجره مؤخراً.. «الجنرال حفتر» بقتاله عشائر إسلامية متناحرة في ليبيا، وكما في سوريا ترفع كل عشيرة علم دولة خليجية.
إن من فرط التشاؤم الحاضر فينا أن نسأل الامانة العامة بألم إن كان من ينجز «اتفاق الرياض» و«القمة التشاورية» يعي معنى الاحتفال بمرور 33عاماً على قيام المجلس.