الرأي

في مملكة «هي مجرد فكرة»

نبضات

ظننتها مزحة.. من بائع كتب ألتقيه للمرة الأولى عندما أخبرني أن جميع النسخ قد نفدت في غضون ساعات من افتتاح معرض البحرين الدولي للكتاب، وأنه نظراً للطلب المتزايد عليها فقد توجه للدار بطلب تزويدهم بدفعة أخرى في الأيام القليلة القادمة.!!
ماذا؟!! «هي مجرد فكرة» فما عساها تكون تلك الفكرة التي خطفت الاهتمام لهذا المستوى؟!! إنه كتاب الشاب حسن خالد «هي مجرد فكرة: رحلة في رحاب التأمل» الصادر عن دار مدارك للنشر، في طبعته الأولى لهذا العام.
يضم الكتاب عدداً من المقالات الفكرية والفلسفية والاجتماعية، بما يعكس رؤية الكاتب، وعمق تجربته رغم حداثة سنة، في طرح يجبرك أن تكون مفكراً ومحاوراً ومناقشاً بصمت، ويقدم عصفاً ذهنياً وتحدياً للتجارب قل نظيره. برأيي -إلى جانب ذلك- فإن الكتاب بمثابة دليل بحث قيم لحجم ما تضمنه من معلومات في عرض غريب جداً.. فالكاتب في معالجاته للقضايا تنقل بنا كـ«العصفور الأزرق» الذي يعشقه ما بين الفيزياء الفلكية إلى الذرة، وعلى حين غفلة يحلق بنا إلى آفاق التاريخ البعيدة ثم إلى دور السينما، وفجأة يحط في ملاعب كرة القدم ليرينا عن كثب فلسفة اللعب وتكتيكاته.!!
استخدم في كتابه لغة حوارية جذابة جداً.. إذ ناقش قضاياه مع «قارئ X» بما يمثله -باعتقادي- من عقل جمعي أو صوت مجتمع، وإنه إذ ذاك رأى كيف يمكن أن يصبح العالم الذي يخاطبه «كرة تنس» وكيف أن العولمة يمكن اختزالها في «هاشتاغ». اخترق حاجز المألوف ليقدم لنا إجابات مباشرة وغير مباشرة عن بعــض الأسئلــــة المبهمــة والحائرة فـــي الـــــوجـــود. وانطلاقاً من فكرة «العزلـــة مملكـــة الأفكــــار» فـــالأمـر لديه تجربة «ليست بحاجة لسين وجيم ويد على الخد وقلم باليــد.. بـــل بحاجة لهــدوء.. حتى تتولد الحكمة!».
طرق أبواب السياسة وفكــــرهــــا بخفـــة ونعومــــــة.. وقدّم آراءه في كبد الحقيقة سهاماً.. رسائل مسمومة؛ عرّى القذافي المعتوه.. حقّر بوش لدخوله العراق بدون استراتيجية.. وكشف النقاب عن كذبة اسمها «ولاية الفقيه». جعلنا نؤمن بحرية السجناء.. لربما أكثر من الطلقاء.. عندما عالج قيود وأغلال المجتمع، كما عالج هرب العقل من السجن مع الإبقاء على الجسد في مهجعه، وهو ما يبرر ما كتبه كثير من السجناء من نصوص في زنزانة السجن.
كتاب آسر.. بفكر نير.. في لغة بسيطة وعميقة في آن.. يسرقك ممن حولك.. ويعيد تشكيل وعيك لكثير من الأمور دونما وعي. فكر لعل أقل ما يمكن التعبير عنه أنه نادر، وثروة لم نكن ندرك قيمتها «كالسيف الذي لا نعرف حقيقته إلا بعد خروجه من غمده» لاسيما وأن الكاتب لم يتجاوز الـ21 من العمر بعد، ويعد كتابه محل حديثنا اليوم الكتاب الثاني المنشور، فضلاً عن مؤلفات أخرى وأبحاث له لم ترَ النور بعد.
ولا غرابة إن علمنا أن مملكة حسن وغرفته إنما هي مكتبة حشر فيها سريراً.. لكونه نهم في القراءة إلى حد الإزعاج. شاب كهذا أغلى هدية تقدمها له كتاب بسلاسل ومجموعات.. وهي الهدايا المحببة إليه والتي لطالما فاجأته بها والدته.. ولهذا نجده يقدم لنا أغلى ما يملك من ثروات ونفائس. إنه واحد من أصغر كتاب المقال العرب.. إذ كان زميلاً لنا في «الوطن»، في الصفحات الرياضية، وهو يكتب حالياً في الصحافة الإلكترونية المغربية.. إلى جانب مدونته الزاخرة وإعداده لأعمال أخرى نترقبها بشغف.