الرأي

الكلمة تصنع رجلاً

بنادر

الكلمة الصادقة ليست مجموعة حروف تجتمع مع بعضها الآخر لتشكل معنى، إنها أكثر من ذلك؛ إنها قوة هائلة تحمل مخزون السموات والأرض، إن لم أقل الأكوان كلها، إذا قيلت في وقتها تسقط جبلاً يتصور نفسه راسخاً في الأرض، أو تحرك بحراً للبحث في جميع الجهات، فقط من أجل طفلة جلست عند باب السماء تطلب من الله أن يساعدها في إيجاد أمها الغائبة منذ الصباح.
الكلمة الصادقة تدخل القلب دون استئذان لتستقر هناك بين الخلايا، وتبدأ في النمو والتوسع لتكون كما شاء الله لها أن تكون، أكثر من المجرات وأجمل من الأقمار والنجوم.
ماذا أقول عن الكلمة الصادقة وهي عمق العمق ومعنى المعنى، وما قبل القبل وما بعد البعد. لذلك أراها حاضرة في كل ما حولي؛ في الداخل والخارج، في الليل والنهار.
بالكلمة الصادقة الصادرة من القلب الممهورة بطلاوة الروح، قد نستطيع إعادة بناء كل ما حولنا وفتح مسارات الكون إلى عواصم من المحبة لا حدود لها.
من هنا توقفت قبل فترة أمام قوة الكلمة، حيث جاءتني على هاتفي قصة من القصص العظيمة، القصص التي يعلقها على جدار قلبه ليتذكرها طوال حياته، تقول القصة الواقعية جدا..
في إحدى محطات مترو الأنفاق كان هناك صبي هزيل الجسم شارد الذهن يبيع أقلام الرصاص ويشحذ، فمرَّ عليه أحد رجال الأعمال ووضع جنيهاً في كيسه ثم استقل المترو في عجله، وبعد لحظة من التفكير خرج من المترو مرة أخرى وسار نحو الصبي، تناول بعض أقلام الرصاص، وأوضح للشاب بلهجة يغلب عليها الاعتذار أنه نسي التقاط الأقلام التي أراد شراءها. وقال له: «إنك رجل أعمال مثلي ولديك بضاعة تبيعها وأسعارها مناسبة للغاية»، ثم استقل القطار التالي.
بعد سنوات من هذا الموقف وفي إحدى المناسبات الاجتماعية تقدم شاب أنيق نحو رجل الأعمال وقدم نفسه له قائلًا: «إنك لا تذكرني على الأرجح، وأنا لا أعرف حتى اسمك، لكني لن أنساك ما حييت، إنك أنت الرجل الذي أعاد إليّ احترامي وتقديري لنفسي». وأضاف: «كنت أظن أنني (شحاذًا) أبيع أقلام الرصاص إلى أن جئت أنت وأخبرتني أنني رجل أعمال».
قال أحد الحكماء ذات مرة: «إن كثيراً من الناس وصلوا إلى أبعد مما ظنوا أنفسهم قادرين عليه، لأن شخصاً آخر أخبرهم أنهم قادرون على ذلك». لذلك نعيد ونكرر دائماً إن «الكلمة الطيبة صدقة».
من هنا أقول؛ تذكر دائماً وأنت تتحدث مع آخرين أي الكلمات تستخدم، إذا وجدت أن هناك ثمة كلمات سلبية حاول أن تحذفها من قاموس لسانك، فلسانك حصانك إن صنته صانك، فالكلمة استطاعت أن تحول من ظن نفسه شحاذاً إلى رجل أعمال، وتستطيع أن تحول أي إنسان محبط أو هامشي أو طفل يلعب في الشارع إلى أحد العظماء من الذين يشار لهم بالبنان، وينهض لهم الكبار قبل الصغار في كل مكان.
أيضاً وأنت تتحدث مع نفسك أبعد كل الكلمات غير الصالحة، وانطق بما هو جميل وإيجابي ومحب.
وثق أن الكلمة الطيبة هي من أهم المفاتيح التي تفتح كل ما هو مغلق، سواء في الأشخاص أو في الظروف التي تحيط بك.