الرأي

بيان الكويت.. هل في النصوص ما في النفوس!

بيان الكويت.. هل في النصوص ما في النفوس!

يقوم هيكل الثقافة العربية راهناً على الصراعات الطائفية والتكفير والإرهاب تحت مظلة الدين، وتبادل اللوم بالهزائم، عبر إعلام يحض على ثقافة التنافس لا التكامل وتبادل النفي بدل تبادل الاعتراف. مما يجعل من المقبول وصف الخلافات العربية كحالة عقلية. وقد لاحظ بعض المفكرين أن فكرة صفاء التفاعلات تقود إلى الجمود ثم الاضمحلال، وأن المعكرات والصدمات الهائلة تعطي ثقافات جديدة، تأخذ بيد الأمم للرقي، كما حدث في اليابان وألمانيا، وحتى الأرجنتين التي كانت إبان حكم الجنرالات وقبل حرب جزر فوكلاند عام 1982 مع بريطانيا في قاع سلم دول العالم الثالث، بينما تعتبر حالياً ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية. فهل نحتاج لصدمة هائلة تفوق ما اعتدنا عليه من سلسلة الكوارث العربية المعاصرة حتى تعطينا تلك الصدمة ثقافة أخرى!
وفق إملاءات البروتوكول يأتي وزراء الخارجية بعد القادة العرب مباشرة في تحمل إعداد برنامج القمة ومواقف الدول من القضايا المطروحة، يشاركهم بعض السفراء والخبراء من الذين كانوا في مناصب رسمية. وقبل أيام اجتمع صناع السياسة الخارجية العربية في الكويت للتحضير القمة العربية في دورتها 25 والتي تستضيفها الكويت يومي 25 و26 مارس الجاري تحت شعار «قمة للتضامن من أجل مستقبل أفضل».
لقد هالني ما صرح به بعض المسؤولين العرب من هذه الشريحة بدرجة توجب علينا أن نعيد النظر في تحميل ثقافتنا العربية عبء ما نعانيه. فمن المتعارف عليه أن معظم القمم في علم السياسة والعلاقات الدولية تعقد لاستشراف مستقبل الأمم ووضع أهداف وبناء استراتيجيات لتحقيق تلك الأهداف؛ باستثناء القمم العربية التي تعقد كقمم مصالحات لا قمم إصلاحات. ولم تكن قمة الكويت الـ 25 باستثناء، فقد تحركت المتوالية التبريرية قبل القمة وعلى لسان صناع السياسة الخارجية ومستشاريهم والخبراء الذين معهم للهروب من الالتزامات والاستحقاقات التي تدق بها يد الربيع العربي بعنف أبواب القادة.
لقد افتتح باب الكلام وزير الخارجية لدولة كبرى فذكر «أن حل المشاكل لا يمكن أن يتم بين يوم وليلة»، فهل كان الإصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي يسير كل يوم وليلة فيما مضى حتى لا تتكدس المشاكل! ثم أضاف «الانتقال إلى الديمقراطية كان يجب أن يكون تدريجياً»، متناسياً أن أنظمة الحكم العربية ومنها نظام الحكم الذي يمثله قد ادعت ديمقراطية ممارساتها السياسية، فأين رصيدنا التراكمي من الديمقراطية منذ رحيل الاستعمار!
وفي مقالنا الأسبوع الماضي «موقع الخليج في القمم العربية» توقعنا بعض ما سيرافق قمة الكويت، حيث كان نجاح القمم سابقاً يقاس بالقرارات التي تتخذ.
أما بعد أن أصبحت القرارات ذات مرتبة تفسيرية فقط، لا صانعة للأحداث فيقاس نجاحها بمدى إفلاتها من دبلوماسية المقاطعة الصريحة أو المستترة بإرسال وفود متواضعة المستوى. وقد حدث ما توقعناه ربما لإيصال رسالة للكويت.
لقد كنت آمل أن تكون القمة الحالية موفقة من باب أن الكويت لم توافق على استضافتها ولم تطلب تأجيلها إلا لأنها تملك أدوات لنجاحها. لقد اعتقدت أن أسوأ ما ستمر به القمة هو أن تتحول لــ«قمة مصالحات لا قمة إصلاحات»، لكن حتى ذلك لم يتحقق، فإصلاح البيت الخليجي في ما يعرف بقضية سحب السفراء بدا، وكأنه أمر لا يهم العرب، فلم يدرج ولم يصر أحد من العرب على إدراجه. بل ظهر كما لو أن الخليجيين أنفسهم يعتبرون بقية العرب دخلاء لا شأن لهم في التدخل بقضايانا. إن فقدان الإنسان العربي لليقين ينتهك بوحشية التفاؤل بمستقبل مشرق جراء وقوع ذلك الإنسان بين شقي رحى ثقافة تؤصل الخلاف وبين صانع قرار سياسي يجيد خلط السياقات بآلة تبريرية ضخمة للوصول إلى التضليل. ولن نعتبر قمة الكويت ناجحة بما سيحمله «بيان الكويت» من حسن مفردات بالنصوص، طالما لم يوازه ما في النفوس.