الرأي

هل آن أوان باكستان؟

نبضات

طالعتنا الصحف قبل أيام قلائل على خبر بحث التعاون العسكري بين البحرين وباكستان، ولعل هذا يدعو للسؤال؛ هل ستأتي باكستان في المرحلة الثالثة للعلاقات الخارجية البحرينية في عهدها الجديد؟ إن الإجابة على هكذا سؤال تتطلب منا الوقوف على بعض أهم معطيات المشهد، من زوايا مختلفة. فأمريكا من جهة، وإيران، فضلاً عن صديقنا القديم الجديد الهند.
دخلت باكستان في نطاق «الحرب على الإرهاب» بالمنظور الأمريكي بعد تفجير 11 سبتمبر 2001، ويعتقد بعلاقة وثيقة تربط تجارة المخدرات في أفغانستان واستخدامها في تمويل النشاطات الإرهابية الباكستانية. فضلاً عن أن كل من أمريكا وباكستان يشتركان في اللعب على أرجوحة التوتر في علاقتهما، وقد اقتصر اجتماعهما معاً في وقت سابق على عقد زواج مصلحة وقتي، كانت إيران أحد أهدافه بما يحقق مكاسب متفاوتة للطرفين.
ورغم التعاون الأخير بين البحرين والهند، إلا أن تنامي القدرات الاستراتيجية الهندية يشكل -من جانب آخر- خطراً على الأمن القومي الخليجي، فضلاً عن الأمن القومي الباكستاني، فإذا ما تمكنت باكستان من تنمية مقدراتها الاستراتيجية أمام الهند، فإنها ستحمي أمنها القومي، وكذلك أمن الخليج العربي الذي أخذت البحرين زمام المبادرة لحمايته نسبياً في خطوة جلالة الملك الأخيرة مع الهند.
والسؤال.. أيعتقد أن في ذلك ثمة تناقضاً؟ باعتقادي.. فإن أهم ما يمكن أن تستفيد منه البحرين في علاقتها المتجددة مع الهند هو تجربة الأخيرة في جمعها بين الأضداد في علاقاتها، وإقامة توازن غريب لا يتكرر كثيراً في المشهد الدولي، بجمع أمريكا وإيران في كفة واحدة. ولعل هذا يكون مسوّغاً كافياً للبحرين أن تمد أذرعها للتعاون مع باكستان والهند في آن واحد كذلك، رغم عداء الطرفين.
ورغم كثير من المشكلات المتعلقة بالجانب الباكستاني وعلى عدد من الأصعدة السياسية والاقتصادية والدينية وغيرها، إلا أنه ربما قرب وقت استثمار باكستان دولياً من قبل الخليج العربي، نظير الدعم والأموال الطائلة التي تضخ إليها منذ عقود من الزمن بلا أدنى مقابل. من هنا يوشك الوقت أن يحين على ظهور بصيص أمل، وقليل من الوقت لإصلاح كثير من الوضع الباكستاني الحرج، فضلاً عن إصلاح آخر يعيد الموازنة بثقل خليجي دولي مختلف هذه المرة، عبر استدعاء العلاقات الخليجية الباكستانية المتينة من العقل الباطن لتاريخ الحضارة الإسلامية العتيدة، الذي تعرض في إحدى مراحله لحالة مستعصية من فقدان الذاكرة والتغييب.
من جانب آخر فإن إيران لا تتوقف عن إشعال الفتيل تلو الآخر لتبقي علاقاتها مع الخليج العربي وخصوصاً البحرين متقدة دائماً، وإن جلّ ما يصب عليه الخليج العربي تركيزه في إيران، مسألة المفاعل النووي، الأمر الذي يمكن من استخدام باكستان كنموذج أمثل للأمن في الخليج، فباكستان من دول الجوار الخليجي النووية شأنها شأن عدد من الدول منها إيران، وإن قدراتها النووية تمكنها أن تكون قبالة المفاعلات الإيرانية، وما قد ترتبه من أخطار على الخليج العربي. لذا فإن علاقة جديدة أخرى تجمعنا بباكستان قد تجعل إيران في موقف محاصرة.
ربما لم يحن تماماً وقت باكستان، ولكن.. لا ضير من الإعداد لضمانها كرصيد احتياطي، في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم، بما لا يتيح الوقت دائماً لتقديم الحلول المثلى على عجالة. ولعل التعاون العسكري البحريني الباكستاني بمثابة نواة تقيس بها البحرين عمق الأزمات القادمة التي قد تواجهها، ومستوى الحلول التي قد تتحصل عليها جرّاء تعاونها المستقبلي مع باكستان. ولكن.. بحذر شديد.