الرأي

مشروع إنهاء إرهاب القنابل الميدانية

مشروع إنهاء إرهاب القنابل الميدانية

إن الوضع الأمني اليوم يحتم علينا -وبعد متابعة للعمليات الإرهابية الآخذة في النمو والتكاثر في مناطق تكررت فيها عمليات تفجير القنابل- إيجاد استراتيجية أمنية تكبح جماح هذا التطور الأمني الخطير الآخذ في الانتشار وتقطع الطريق أمامه وتفشله!
لسنا في صدد التدخل في التعامل الأمني من قبل الجهات الأمنية عندنا، ولا نحاول من هذا المنبر فرض إملاءات على قادة الجهات الأمنية، فهم أكثر دراية منا بالحال؛ إنما نحن بصدد تقديم مقترحات قد تساهم في إنهاء مسلسل تفجيرات القنابل الميدانية المستمر، وجعل كافة ما يمتلكونه من متفجرات بلا فائدة وباطلة، وما صرفوه عليها من موازنات محترمة تضيع هباءً وعبثاً، وهي مقترحات تأتي بعد مطالعة تجارب بعض الدول التي وضعت خطة محكمة للتعامل الأمني مع الإرهاب، لاسيما إرهاب المتفجرات الميداني، علها تصيب وتخدم الصالح العام.
فمن يتابع أخبار عمليات تفجير القنابل التي تتسبب بوقوع خسائر بشرية في صفوف رجال الأمن البواسل لدينا ما بين إصابات متوسطة أو بليغة إلى عاهات مستديمه أو وفاة؛ يجد تكرار أسماء المناطق التي تحولت إلى أوكار إرهابية «الديه، الدير، العكر، سترة، سنابس» مما يؤكد الحاجة إلى تفتيشها وتمشيطها بدقة واستخراج ما تزخر به من متفجرات وأدوات لتصنيع القنابل، كما إن تتبع سيناريو وقوع عمليات تفجير القنابل المتكرر يلقي الضوء على أهمية إيجاد استراتيجية أمنية متطورة تواكب التطور الحاصل في العمليات الإرهابية الجارية، فالسيناريو المتكرر الحاصل هو خروج عدد من المخربين والإرهابيين في هذه المناطق والقيام بعمليات تخريبية تستهدف جر رجال الأمن إلى ملاحقتهم للمواقع التي يتم تفخيخها بالقنابل لأجل المرور عليها ومن ثم تفجيرها عن بعد بهدف قتلهم أو إصابتهم، وغالباً ما تتم طريقة التفجير عن طريق إشارة الهاتف الذي يشكل أحد مكونات القنبلة المراد تفجيرها.
مما يستدل عليه أن هناك حاجة لتوفير أجهزة كشف القنابل المتنقلة في حوزة رجال الأمن، خاصة الذين يقومون بجولات ميدانية في المناطق الإرهابية التي يكرر فيها وقوع عمليات التفجير، بحيث تساهم هذه الأجهزة في الكشف عن وجود قنبلة مزروعة في الموقع وتبطل مفعولها وتقطع الإرسال عنها قبل أن يمر عليها رجل الأمن وهو لا يدري وتنفجر فيه، كما هناك حاجة للاطلاع على الدراسات الأمنية المتطورة وكافة التقارير الصادرة عن أبحاث أجهزة التفجير العشوائية وأساليب التعامل معها، خاصة تلك التي خرجت أيام الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان.
سؤالنا؛ هل عدم توفير الجهات الأمنية لرجال الأمن الميدانيين هذه الأجهزة المتطورة يأتي لعدم وجود ميزانية خاصة، فأقله إن لم تزودهم بأسلحة لمجابهة هؤلاء الإرهابيين فلتزودهم بأجهزة كشف القنابل المتنقلة والمتطورة التي تقيهم من تحولهم إلى أشلاء متناثرة.
هل هذا يأتي لعدم وجود خبراء يقومون بعمل دراسات ميدانية في مواقع التفجير التي تتم ومن ثم رفع مقترحات وقائية تمنع تكرارها؟ أم عدم وجود مركز دراسات أمنية يتابع الدراسات والأجهزة المتطورة في دول العالم التي تبطل الأعمال الإرهابية ويقترح توفيرها ميدانياً؟ لا نعلم! لكن ما نعلمه ونستدل عليه من خلال تكرار سيناريو قتل وإصابات رجال الأمن جراء عمليات تفجير القنابل أن هناك فراغاً في ما يخص هذه الأجهزة المتنقلة. حتى الكلاب البوليسية التي تكشف وجود الأجسام الغريبة والتي تستخدمها الشرطة الأمريكية لا نراها معهم دائماً.
هناك تطور عالمي حاصل لأجهزة الكشف عن المتفجرات والقنابل توفرها الشركات المتخصصة، وهناك أجهزة مسح ضوئية تعمل من خلال موجات الراديو على كشف الأجسام الغريبة، كما هناك أجهزة تشويش «محمولة» تعمل على إبطال مفعول القنابل تحوي أنظمة تشويش تكتيكية توفر طبقة حماية إضافية لمنطقة العمليات وتحول دون إمكانية التفجير عن بعد، وهناك أنظمة تشويش قوية للغاية توفر حماية منقطعة النظير عن النشاطات الإرهابية والتي عادة توضع في المواقع الكبيرة الحساسة، وهي ملائمة جداً للتركيب داخل النقاط العسكرية، مما يعني أنه من الممكن وضعها والتنقل بها في النقاط الأمنية داخل الأوكار الإرهابية.
هناك أجهزة من الممكن أن توفر تشويشاً على كافة ترددات الاتصالات وإلغاء كل نطاقات التردد، مما يعمل على إبطال أي محاولة تفجير عن بعد، فبعض الشركات توفر هذه الأجهزة المتطورة على هيئة صناديق محمولة، حيث إنها مخصصة لجنود المشاة وفرق الأسلحة ووحدات مكافحة المخدرات وفرق مكافحة الشغب الذين ينتفعون بشكل كبير منها، وهناك أجهزة تتمكن من تشويش ستة نطاقات من الترددات في آن واحد مما يطيح العمود الأساسي لدولة الإرهاب المراد إقامتها داخل البحرين، ويبدد فعالية أي قنبلة توضع وتزرع، فأجهزة الصناديق المحمولة التي تكشف المتفجرات توفر حداً أقصى من سهولة الحركة والتنقل بها.
عملية التفجير قبل الأخيرة في الديه والتي راح ضحيتها ثلاثة من شهداء الواجب كشفت عن استخدام نوع جديد من القنابل يستخدم لأول مرة، مما يؤكد الحاجة إلى إيجاد مركز دراسات أمنية يعمل في مجال متابعة تطورات الأسلحة والمتفجرات الإرهابية ومكافحتها، مثل ما قامت به القوات الأمريكية من دراسة القنابل المزروعة على الطرق وإيجاد طرق فعالة لتعطيلها في العراق.
يجدر القول عن تجربة وزارة الدفاع الأمريكية أنها قامت بإجراءات مضادة للتفجيرات، حيث شكلت منظومة القضاء على أجهزة التفجير العشوائية المشتركة وتعاقدت مع شركات تقوم بتطوير أجهزة يتم التحكم بها لاسلكياً، ومنها جهاز الكشف الإلكتروني لكشف الألغام وأدوات التفجير المرتجلة، والذي يمكنه البحث في الفراغات والمناطق التي لا تستطيع المركبات الوصول إليها أو رؤيتها، وتحديد ما إذا كانت المنطقة خالية من أدوات التفجير المرتجلة أم لا، ويكشف الجهاز أدوات التفجير التي تتضمن مكونات إلكترونية مثل أجهزة الاستقبال التي يتم التحكم بها من بعد أو الهواتف الخلوية أو ساعات التوقيت الإلكترونية أو أجهزة الاستقبال والإرسال أو الصمامات الإلكترونية أو أجهزة تأخير الانفجار، ويمكن أيضاً نشر الجهاز لكشف الأسلحة المطمورة والذخيرة والألغام ومخابئ الأسلحة الخفية، وقد استخدم هذا الجهاز بنجاح إبان العمليات العسكرية في أيرلندا والعراق وأفغانستان.
هناك تحديات تواجهها البحرين في تحويلها إلى عراق أو أفغانستان أخرى، ومحاولات لتصعيد الوضع الأمني ودفعه إلى التطور المرتفع الوتيرة، والدولة اليوم متمثلة في جهاتها الأمنية مطالبة بإنهاء مشروع القنابل وجعله بلا فائدة، وهناك حاجة ماسة لإيجاد استراتيجية أمنية يقف وراءها مركز أبحاث أمنية متطور لمتابعة التطورات التقنية في ما يخص المتفجرات والمعدات الإرهابية الحديثة أولاً بأول، وهناك حاجة لتحديث الجهاز الأمني لدينا وتطوير أساليب عمله وتخصيص موازنات مضادة وإيجاد أيادٍ مدربة وخبيرة تتعامل مع المتفجرات وترافق رجال الأمن ميدانياً بأجهزة الكشف عن المتفجرات المحمولة، بحيث لا ينزل أي رجل أمن ليلاحق الإرهابيين إلا ومعه مثل هذا الجهاز المحمول.
- إحساس عابر..
وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس قال أمام الكونغرس: «إن الجزء الأكثر إزعاجاً في عملي هو أنني كل ليلة أذهب إلى بيتي ولدي ملاحظات بخط اليد إلى عوائل أولئك الذين يقتلون أثناء الواجب، وحوالي 70% منهم تقتلهم قنابل الطرق»، واعترف قائلاً: «حالما نصل إلى طريقة نحاول أن نحبط بها جهودهم يجد المتمردون تكنولوجيا ما أو وسيلة جديدة لمواصلة قتالهم»، وهذا دليل آخر يبرهن الحاجة إلى إنشاء مركز دراسات أبحاث أمنية متطور.