الرأي

هل يحسم الجيش نتائج الانتخابات العراقية؟

هل يحسم الجيش نتائج الانتخابات العراقية؟

حين تكون مفردات الخطاب مستمدة من حفريات داكنة قبعت طويلاً في تجاويف فكر مظلم، وليس من مرجعيات سامية، يصبح من الصعب تجاوز ما توحي به سطوره سراً أو ما تقوله علانية.
وفي ذكرى تأسيس الجيش العراقي -وبوصفه القائد العام للقوات المسلحة- حيا رئيس الوزراء السيد نوري المالكي الجيش واصفاً إياه بأنه «لم يكن إلا جيشاً للشعب ملتزماً بمهامه وواجباته ولم يحد عنها»، لكن أسطر المالكي، التي هي نتاج النسق الفكري الذي يسيره، لم تصمد لنهاية الخطاب على نفس الود، فعاد ليصف ذلك الجيش بأنه «استخدم حتى الأسلحة المحرمة كما في حلبجة والأهوار، وارتكب المجازر والمقابر الجماعية»، وهو كما يرى المالكي جيش ضاعت بوصلته «كما في حربه ضد إيران وغزوه الكويت والتدخل في شؤون الدول المجاورة والصديقة والشقيقة». والغاية من القصدية العالية حين نعيد اليوم نقاط أوردها المالكي في خطابه هي أن الانتخابات النيابية العراقية التي ستبدأ اليوم ستدمر ما بقي من المؤسسة العسكرية العراقية، إن جاءت كما هو متوقع بنجاح المالكي للأسباب التالية:
- دخل المالكي مرحلة الطاغية المسيطر على مفاصل الدولة؛ وسنراه قريباً بين رجال «جيشه» وهم ويرددون «الهوسات» على النسق الصدامي البائد، فقد أعلن المالكي النصر من الأنبار، وكأنها أرض العدو، لا جزء من وطن يتحمل مسؤولية حمايته، كما قال زعيم التحالف الوطني الشيعي في مجلس النواب العراقي إبراهيم الجعفري.
- نتيجة تأثير الثورة السورية؛ هناك تمدد محتمل للصراع الطائفي، وسيكون من التداعيات الإقليمية نجاح المالكي لثالث مرة تعزيز للطائفية العابرة للحدود، حيث ستنتقل مجموعات عراقية من تنظيمات لواء أبي الفضل العباس ولواء كفيل زينب وعصائب أهل الحق إلى الخليج، لرغبة تلك التنظيمات في تأسيس نقطة انطلاق وقاعدة لخلق عمق استراتيجي لها بيننا.
- لقد أقلق الشيعة والسنة على حد سواء وجود قيادات بالقوات المسلحة تعمل وكأن بقاءهــا مرهون بوجود المالكي علــى رأس الحكومة، فعاثت فساداً، وأدخلت التزكيات المذهبية والحزبية بدل الكفاءة والانضباط العسكري، وهذ ما دعا مقتدى الصدر لدعوة القوات لعدم التصويت للمالكي بعد أن ظهر له أن للقوات ولاءات بدائية مذهبية وعشائرية، بل إن زعيم التيار الصدري في العراق دعا عناصر القوات المسلحة إلى التمرد على قادتهم وعلى المالكي، وعدم إطاعة أوامرهم بالتصويت له.
- فقد الجيش العراقي هويته؛ فأصبح «جيش وظيفة وليس عقيدة» كما وصفه النائب عن كتلة الأحرار بهاء الأعرجي، فقد وقف الجميع على اختلاف مذاهبهم إبان الحرب العراقية الإيرانية مع الجيش حين كان هناك شيء اسمه وطن وعقيدة، والآن لا مبدأ المواطنة موجود ولا العقيدة.
لقد دعمت واشنطن المالكي ليصبح رئيس الوزراء بصفته مرشح الكتلة الشيعية، ومنذ توليه السلطة أصبح من الثوابت التي يتمسك بها في مقاربته للأمور عدم استعداده لتقبل المشاركة أو التعددية، متهماً من لا يسايره بنقل خلاف الرأي إلى دائرة التحريض ثم العصيان، فأصبح الجيش إقطاعية خاصة له، ولم يعدم وسيلة لتحويل جيش العراق إلى «جيش المالكي» يدافع عن كراسي ومناصب ومحاور التقرب لطهران في تشويه لطبيعة الالتزامات التي يفرضها دوره الوطني.
واستخدم المالكي الجيش العراقي كعملة مزورة؛ فألبسه مع السفير الأمريكي في العراق زلماي خليل زاد منذ عام 2006، لباساً غير لباسه الوطني العربي بعقيدة قتالية مربكة وأهداف استراتيجية مضللة، ولأن تزوير العملة يتم دون تفويض قانوني أو رصيد يسندها أو جهد حقيقي في صنعها، فمآلها للكشف عاجلاً أم آجلاً، فهل تصبح صناديق الاقتراع جهاز كشف عملة المالكي المزورة؟