الرأي

خليفة بن سلمان.. رجل الكلمة والدولة

خليفة بن سلمان.. رجل الكلمة والدولة

تتغافل الكثير من المؤسسات الدولية ذات الطابع الرقابي في مجالات الصحافة وحرية التعبير والشفافية وحقوق الإنسان عن وقائع إيجابية كثيرة بغرض تسويق مبرراتها السياسية التي توظف بكل أسف لخدمة أهداف ومصالح دول معينة، والمتابع للتقارير الأخيرة للمنظمات الدولية في مجال حرية الصحافة والشفافية يكتشف افتئاتًا على الواقع في دول كثيرة ومنها مملكة البحرين ومصر على سبيل المثال وليس الحصر.
وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة؛ شاهد القاصي والداني أن رأس الحكومة في البحرين صاحب السمو رئيس الوزراء وقف ساعات طولى مستقبلاً ومكرماً للكوادر الصحافية والإعلامية تقديراً لدورها في القيام بمهمة تنوير الرأي العام، وتوجيه المسيرة إلى أهداف التنمية الشاملة.
لم يسأل أولئك المتناجون بالإثم في أورقة تلك المنظمات أو المؤسسات الإعلامية الدولية، وتوابعهم في الداخل والخارج عن المغزى والمعنى من مثل هذا التكريم والاستقبال -بل والمداولة والتقصي أحياناً- حتى بدا وكأن سمو رئيس الوزراء قضي معظم اليوم مع رجال الصحافة والإعلام، وكأنه يرد بذلك على المرجفين والمترددين أو أولئك الذين أرادوا أن يصنعوا لأنفسهم -أمجاداً وهمية- مؤداها أنهم حماة الكلمة وأن من دونهم يمارس القمع وتكميم الأفواه، وحق لمنظماتهم المشبوهة أن تضع دولهم في مؤخرة الترتيب كأسوأ دول في مهنة الصحافة.
إن المتأمل في بناء الدول الحديثة وتطورها نحو التنمية الشاملة يرى أن القادة العظام، ورجالات الدولة الأفذاذ أمثال خليفة بن سلمان يضعون الكلمة ورجالها في موضعها اللائق المحترم، باعتباره التزاماً أو حجر زاوية في البناء وذلك على مبادئ من القيم المهنية والإنتاجية والأخلاقية التي تسبق بناء هيكل الدولة ذاته، وغالباً لا يحدث هذا إلا مع رجال دولة عظماء، وقادة موهوبين نادرين يعرفون ماذا يريدون لبلادهم بعد عشر سنوات أو حتى عشرين سنة وربما أكثر وذلك اعتماداً على ما يضعونه من رؤىً واستراتيجيات تنقل واقع دولهم من دول صغيرة أو فقيرة أو متخلفة إلى دول ناجحة تحقق الاستقرار الاقتصادي والرفاه الاجتماعي ناهيك عن العدالة الاجتماعية والمواطنة الكاملة والحرية المسؤولة ناهيك عن احترام حقوق الإنسان. لقد وجد ذلك في كل التجارب التنموية الناجحة في شرق آسيا كسنغافورة، وماليزيا وإندونيسيا وتايلند، ناهيك عن استقراره أيضاً في الديمقراطيات القديمة كالهند والغرب الإنجلوساكسوني.
إن فهم عقلية رجل الدولة الذي يؤمن بالكلمة الحرة، ويحترم حرية التعبير، ويقترب من رجال الصحافة والإعلام اقتراباً مهنياً وقيمياً، ويوفر لهم الحصول على المعلومات من لبانها من دون عوائق إدارية أو بيروقراطية، هذا إلى جانب تأطير كل ذلك في تشريعات قانونية تحفظ للصحافة والعاملين فيها حقوقهم كما تبين أيضاً واجباتهم، كل ذلك يعد أمراً في غاية الأهمية في تلك المرحلة التكوينية من تاريخ بناء الدولة، والملاحظ أنه في جميع وسائط التعبير عن الرأي وأماكنه الفعلية والافتراضية كان سمو رئيس الوزراء (شخصياً) ومن خلال مؤسسات الدولة الأخرى يؤمن إيماناً راسخاً بهذا الدور المحوري للصحافة والإعلام في مسيرة التنمية الشاملة، بل إن الصحافة كانت المبشر بخطط التنمية واستراتيجياتها وسياساتها منذ انطلاقة الدولة بعد الاستقلال وكذلك بعد ارتقاء المنحنى البياني نحو الارتفاع منذ الوفرة الاقتصادية في السبعينات وحتى اليوم.
لم يكن الإلحاح على أن مملكة البحرين تضع حرية الصحافة والتعبير وغيرها من مفردات الحق في الاتصال والمعرفة والذي نادى به العهد الدولي لحقوق الإنسان ومعاهدات الأمم المتحدة ديكوراً أو مجرد ديماجوجية غير ذات بال، بل كانت جزءاً لا يتجزأ من منظومة التحول التنموي من المجتمع التقليدي الرعوي إلى المجتمع الحديث (مجتمع المعرفة) بكل خصائص هذا المجتمع ومتطلباته واستحقاقات التحول النمائي فيه، ولهذا لا يجد المراقبون الوطنيون مبرراً للتهليل والتضخيم حول ما تزمع اليونسكو فعله مؤخراً من تضمين حرية التعبير ونبذ التمييز، والمواطنة المتكاملة وغيرها من مبادئ كأهداف تنموية فإن بلداً كالبحرين استطاع -عن جدارة- أن يفعل ذلك بكل راحة بال ومن دون ضجيج أو افتعال.
إن المتأمل لمسيرة البناء والتنمية في البحرين في حيدة وتجرد يلمس دور القدرة القيادية للقائد الفذ جلية واضحة في بصمات لا ينكرها إلا أصحاب الهوى أو الجاحدون، والغريب هو سعي هؤلاء إلى طمس كل إنجاز، والتعمية على كل ما هو إيجابي، والتشويش على كل جهد صادق مخلص، وتصوير البحرين في الخارج كأرض اليباب، وخاصة في تقاريرهم المبثوثة عبر الميديا الغربية، أو تلك التي يرسلونها للمنظمات الدولية في تقارير منحازة ومراهقة أحياناً تزعم في كثير من الأحول أنها تعبر عن الشفافية والمهنية وهي أبعد ما تكون عن كل ذلك.
إن بصمة سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان قد دمغت بماء الذهب على تاريخ البناء الحديث للدولة في البحرين، وهي بصمة أصيلة لاشك لا تقل عن بصمة مهاتير محمد في ماليزيا، أو بصمة ديجول في فرنسا، أو بصمة عبدالناصر في مصر، أو تشرشل في بريطانيا لأنه ببساطة ودون مبالغة أسس أركان الدولة على مداميك ثابتة يمكن التعلية والارتقاء عليها من دون خوف أو قلق، وليس أدل على هذا الكلام إلا تلك العواصف والأعاصير السياسية والاقتصادية التي هبت على منطقة الخليج العربي والمنطقة العربية بأمتها منذ حرب تحرير الكويت حتى اليوم، بل كانت الأزمة المالية قاصمة الظهر التي جعلت بعض الدول في الإقليم العربي على شفا الإفلاس والتفكك، ولكن البحرين نجت على يد ربانها بحمد الله وفضله أولاً ثم بحنكة قائد استطاع أن يدير الأزمات تلو الأخرى بنجاح واقتدار.
إن الإرادة الحرة، والوطنية الصادقة، والحكمة والجرأة والخبرة العميقة، والصبر وسعة الأفق ناهيك عن بعد النظر، والقدرة على قراءة الأحداث السياسية والاقتصادية قراءة واعية جعلت هذا القائد يمتلك جوهر الإرادة الحقيقية وعلى حد قول هنري فابول فإن «جوهر الإرادة هي قوة التنبؤ قبل حدوث الأشياء»، تلك خاصية العظماء من القادة، فهذا الحدس الإداري النابع من الخبرة العميقة، والقدرة على وزن الوقائع بميزان الذهب جعلت سمو رئيس الوزراء قائداً صاحب قرار يتخذ القرار الصائب في الوقت الصائب.
وإذا كانت سفينة البحرين الصغيرة -ونراها كبيرة- قد أصبحت مثالاً على التحدي الاقتصادي والاستقرار الهيكلي والبنيوي، فهي كانت كذلك ولاتزال في السياسة والعلاقات الدولية لا تقل بحال عن الدول الكبيرة ذات المصداقية العالية والسمعة المرموقة، وكان تقدير العالم لسمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان خير شاهد ودليل نجاح في هذه المهمة التي أنجزها باقتدار، فهو القائد العربي الوحيد تقريباً الذي حصل على عدد لا يضاهى من الجوائز والشهادات والقلادات والأوسمة من مراكز وجامعات ومؤسسات محايدة، جميعها تقيس الأداء الاقتصادي والسياسي على أسس ومعايير مهنية ودولية خالصة، وما كان يدري أو يسعى هذا القائد الفذ إلى مثلها يوماً، فقد كانت غايته بناء دولته وتنميتها ورفاهية شعبه وإعلاء كرامته في كل مكان، فوضع لبلاده مكانة مرموقة بين الدول الناجحة التي ضمنت لمواطنيها الكرامة الإنسانية، وعمقت الشعور بالمواطنة، وحاربت الإرهاب والعنف، وآمنت بالحوار، وجنحت بعيداً عن التمييز والشوفينية الكريهة.
إن مما يؤسف له في واقع النخبة المثقفة الحالية في بلادنا العربية أن كثيراً من فيروسات الجحود، والحسد، ونكران الجميل قد انتشرت فوقع من البعض مثالب منكورة، وحاول البعض الآخر أن يمتشق سيفاً في غير ذات معركة، ناهيك عن أن (البعض الهالك) الذي رهن نفسه للشيطان الأكبر أو الأصغر، أو كليهما معاً، ثم راهن على دعم الخارج الشرير راح يسيء لوطنه وأهله وقيادته وهو لا يدري أن حاله كحال الوعل الذي لن يوهن الصخرة، وإن كان سيوهن قرنه إن لم يكن الانكسار والخسران مصيره في نهاية الأمر.
إن خليفة بن سلمان رجل الكلمة، وهو أيضاً رجل الدولة، وفي البدء كانت الكلمة، ومن الحق أن نقول إن الدولة قامت على الكلمة، ففي كل زيارة، وفي كل قرار، وفي كل موقف، كان سمو رئيس الوزراء يؤكد باستمرار بأنه ربان حاذق لسفينة عريقة تعرف وجهتها جيداً مهما تكاثفت السحب، ومهما تلبدت الغيوم!
إنها الدولة الناجحة، والحكم الرشيد، والتقييم والإصلاح الدائمان، والعدل حق الجميع من دون تمييز، فمثل هذه المبادئ شعر بها الجميع حين شاهد رجل الكلمة والدولة يقف ساعات مستقبلاً الطابور «الطويل» من أبنائه الصحافيين والإعلاميين تقديراً لعطائهم واحتراماً لمهنتهم ومن قبل تقديساً للكلمة الحرة الذي هو راعيها في هذا الوطن.