الرأي

فرق بين قلب يحمل أمة وقلب يحمل غمة

فرق بين قلب يحمل أمة وقلب يحمل غمة

غريبة وعجيبة أن يترك من يدعي الوطنية والعروبة والإسلام ضرب الأمثال بأبطال العرب التي يزخر بها التاريخ، ويضرب الأمثال بشخصيات أجنبية يحتفون بمواقفها ويتغنون بمآثرها ويحزنون لفقدانها. غريبة وعجيبة حين يكون في تاريخنا العربي أبطال ليس كمثلهم أبطال سجل مواقفهم حتى التاريخ الإفرنجي، الذي اعترف بشجاعتهم وجرأتهم وإخلاصهم، ونحن هنا لن نذهب إلى تاريخ الفتوحات الإسلامية بل سنذهب إلى 16 سبتمبر 1931، حين أحضر عمر المختار و20 ألفاً من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم، إنه عمر المختار العربي الذي سار إلى منصة الإعدام وهو ينطق الشهادتين، وكان يؤذن وهو في طريقه إلى المنصة بصوت خافت أذان الصلاة.
إنه عمر المختار الشديد العداء لأعداء بلاده، ورفض رشوتهم حين اتصل به بعض المسؤولين الإيطاليين ليعرضوا عليه أنه إذا ما انتقل للإقامة الدائمة في بنغازي فإنهم سيقدمون له العون والمساعدة براتب شهري كبير، وإن أراد يجعلونه الشخصية الأولى في ليبيا مقابل قطع علاقته بالسنوسية، فماذا كان رده؟، كان رده «إنني ما قبلت هذا الاجتماع مع الوفد الإيطالي لأستمع إلى هذه المهازل، ولا أحارب الطليان من أجل الوصول إلى هذه الترهات، إنها مسألة حقوق أمة كاملة، وإنني أعيذ نفسي من أن أكون في يوم مطية للعدو، وإنني أعرف أن قيمتي بلادي، إذا ما كانت لي قيمة مستمدة من السنوسية».
نعم إنهم لا يضربون المثل بعمر المختار ولا بصلاح الدين الأيوبي، وذلك حين يكون هؤلاء الأبطال خرجوا للجهاد في سبيل الأمة والدفاع عن أرضها ومقدساتها، بينما هنا يدعون أعداء الأمة لدخول بلادهم، ويستغيثون بهم، وها نحن نشاهد خروج المظاهرات والحشود في عشية انطلاق حوار المنامة، حيث خاطب المرزوق المجتمع الدولي بالقول: «أنتم مسؤولون أيضاً عن رفض النظام لمطالب الشعب، وتتعاملون معه بدبلوماسية ناعمة، ويجب أن تكونوا أكثر حزماً معه».
الحزم الذي يقصده معروف، فهو مثل حزم المجتمع الدولي وما فعله في العراق، ولذلك لا يمكن أن يضرب المثل بعمر المختار، الذي قال «أعيذ نفسي من أن أكون في يوم مطية للعدو»، لكن يضربون الأمثال بمن يجدون في نضالهم بعض المقولات التي تناسبهم، ويحاولون إفهام العالم أن نضالهم مشابه لنضال هذه الشخصيات الوطنية التي يحترمها المجتمع الدولي، وذلك على سبيل المثال ضربهم المثل بمانديلا، وإن كانوا لا يشبهون نضاله في شيء، لأنه ناضل لأجل تحرير بلاده، ولكنهم وجدوا في مقولاته شيئاً ملائماً مثل مقولته «في بلادي تدخل السجن أولاً، ثم تصبح من الرؤساء»، وهو ما ذكره المرزوق في خطابه.
بينما عمر المختار رفض أن يجعله الطليان الشخصية الأولى في ليبيا، وقال عنها إنها مهازل وترهات، فكيف إذاً يضرب المثل به وهنا يطالب المرزوق بإدارة شؤون البلاد وكرسي السلطة، حيث قال «إن البحرين ستكون قوية كدولة عندما تدمج كل مكوناتها الشعبية في السلطة والقرار والثروة»، إذاً فالمطالب مختلفة عن مطالب عمر المختار الذي كان يرى أن قيمته بلاده، بينما مطالب المرزوق السلطة والقرار والثروة.
إن ثورة الأبطال يخلدها التاريخ كما يحترمها أعداؤها وها هو إتيليو توتسي، حاكم برقة الإيطالية آنذاك، وكان العدو الأول لعمر المختار إلا إنه وصفه في مذكراته بأنه «الرجل الذي لا يسعنا إلا أن نعترف له بالصمود وبقوة الإرادة الخارقة حقاً»، كما كتبت صحيفة التايمز البريطانية في اليوم التالي لإعدامه مقالاً وصفته فيه بـ«الرجل الرهيب» وشيخ القبيلة الضاري العنيف الذي بقي لسنوات طويلة يمثل روح المقاومة العربية.
إذاً هي المقاومة العربية لا المقاومة والدعوة من أجل الاحتلال، ولذلك لا يمكن ضرب الأمثال بالبطل المقاوم عمر المختار، مثال الصمود الحقيقي لا الصمود الكارتوني الذي صدعوا به رؤوسنا، فإذا هو جمع يخاطب المجتمع الدولي للتدخل بحزم في البحرين من أجل السلطة والقرار والثروة.
نعم ليس هناك تشابه بين الشجاعة العربية التي تمثلت في مقاومة عمر المختار لأعداء بلاده، وبين المحتشدين الذين يدعون المجتمع الدولي للتدخل في بلادهم من أجل كرسي السلطة والحصول على الثروة، وها هو عمر المختار يقول للحسن بن رضا السنوسي عندما قبل بمعاهدة مع الإيطاليين تقضي بوقف القتال ضد الطليان مقابل بعض المرتبات التي تدفع إلى القادة الليبيين «لقد غرُّوك يا بنيّ بمتاع الدنيا الفاني».
إنه الفرق بين الصمود الحقيقي الذي يقف في وجه أعداء البلاد، صمود في سبيل الأمة بأكملها، وبين صمود من أجل السلطة والثروة، فلذلك يبقى ضرب الأمثال بأبطال العرب مثل عمر المختار أو صلاح الدين الأيوبي صعباً على المرزوق وغيره، لأنه فرق بين من يحمل في قلبه أمة، ومن يحمل في قلبه غمة.