الرأي

أهم شيء.. أعطونا «آيزو»!!

اتجاهات




عزيزي المواطن؛ ادخل إلى متفصح البحث الشهير «غوغل» على الإنترنت واكتب «شهادة الآيزو» واقرنها بكلمة «البحرين»، وبعد ظهور النتائج في أقل من ثانية، تصفح بشكل سريع العناوين التي ستظهر لتجد أن غالبية قطاعات الدولة، سواء وزارات أو هيئات وغيرها، سبق لها على الأقل مرة أن نشرت خبراً يفيد بحصولها على شهادة «الآيزو»، وسيسترعي انتباهك أن بعض هذه القطاعات تقيم احتفالات داخلية مصغرة لحصولها على الجائزة.
طيب ما هي «شهادة الآيزو»؟! وأثق هنا بأن كثيرين كتبوا عنها، لكن الكثيرين أيضاً لم يقرنوها بالواقع الحقيقي على الأرض.
شهادة «الآيزو» هي شهادة تصدرها «المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس» وتتضمن مجموعة من المعايير العالمية المعنية بنظام الجودة، وبتبسيط شديد؛ هي تمنح للجهات التي تطور إجراءاتها العملية لتواكب الكفاءة والجودة في العمليات والمخرجات. ما يعني أن المتحصل على الشهادة لابد وأن يكون قطاعاً فعالاً يعمل بأسلوب أدق من دقات الساعة، والأهم أن تكون نتائجه مبنية على هذه الأسس السليمة الدقيقة المبرمجة لتكون بالتالي فعالية وبالغة الإتقان والحرفية.
اليوم هناك «هوس» لدى كثير من القطاعات للحصول على هذه الشهادة، وبانت الاستماتة في بعض القطاعات للحصول عليها لدرجة تبعث على التوجس، وكأن الحصول عليها هو بمثابة «صك اعتماد» على أن هذا القطاع أو ذاك «محترف» في عمله ولا تشوب أداؤه شائبة، أي ما يعني أن هذا القطاع «كامل» والكمال لله، وعليه من ينتقده فهو كمن يضرب جبلاً بملعقة بلاستيكية.
هي شهادة دولية، لكننا كعرب حينما نتعامل مع هكذا أمور لا يهمنا مضمونها بقدر ما يهمنا بهرجها ومداها الإعلامي، ونركز بعد ذلك على التفاخر بحصولنا عليها، في حين لو وصل أداؤنا ونظامنا المؤسسي لمستوى متردٍ وكانت نتائج العمل كارثية ولا تحظى بقبول المستخدمين أو حتى رضا العاملين في المنظومة. هي شهادة «ديكورية» لا أكثر تعلق على الحائط، للحصول عليها قد نعمل بجد واجتهاد ولكن بعد «التتويج» بها لا يهم أن تحول المكان لخرابة متهالكة.
شهادة «الآيزو» تتطلب أموراً أساسية على هيئة شروط على رأسها رصد العمليات والتأكد من أنها «فعالة»، حفظ السجلات الوافية لآليات العمل، فحص النتائج واستخلاص العيوب مع اتخاذ إجراءات مناسبة لتصحيحها، استعراض منتظم للعمليات الفردية وفعالية نظام الجودة نفسه وتسهيل التحسين المستمر.
الآن لنسأل أنفسنا ونجيب بواقعية، على كم شهادات «الآيزو» التي أعلن بأن قطاعات عديدة تحصلت عليها، هل بالفعل نحس أن الجودة مرتفعة في هذه القطاعات والتي من خلالها ينتج أداء عالي المستوى يؤثر بمخرجاته على المستهدفين والمتأثرين إيجاباً؟!
لا نريد إيراد أسماء هنا، لكن بعض هذه القطاعات حينما نقرن أداءها بما تتضمنه تقارير الرقابة، وبما تشهده من انتقادات على مستوى السلطة التشريعية وعلى المستوى الشعبي، وبعضها حينما تقارن أوضاعها المالية أو إنتاجيتها الخدماتية، كلها نستغرب أشد الاستغراب تحصلها على شهادة «الآيزو».
ببساطة شديدة إدارة الجودة فن وعلم يدرس، وهو ليس شهادة بقدر ما هو أداء يستهدف الاستحسان والقبول ورضا المستهدف وفي حالة قطاعاتنا المستهدف هو المواطن، وعليه فإن شهادة «الآيزو» الحقيقية وذات المصداقية الأعلى هي تلك التي يصدرها المواطن ولا أحد غيره، هي تلك التي تنتج عن إشادة المواطن بالأداء نتيجة الخدمات الفعالة التي يتحصل عليها، أو الانعكاس الإيجابي على الأداء العام للدولة.
فهل يا مواطن -لو كنت المسؤول عن إصدار هذه الشهادة- هل ستمنحها لكثير من القطاعات التي احتفلت بالحصول عليها؟!
والله نعيـــش حالـــة هـــــوس بالشعـــارات والبهرجات الإعلامية، بينما العمل الحقيقي الذي يخدم الوطن والمواطن مازلنا بعيدين عنه!