الرأي

علموهم السرقة أولاً.. ثم حرّموها عليهم

ورق أبيض


«.. بين زنوج عراة حفاة وقف المبشر الأوروبي في ثياب نظيفة يقول لكل واحد: لا تسرق...
نظر كل عريان بجواره يتساءل: نسرق ماذا؟.لا أحد يملك حتى خرقة على جسده، والطير يمرح على الشجر لمن يصطاده، والأرض مجاناً لمن يزرعها، والفاكهة دانية لمن يقطفها.. نسرق ماذا.. ولماذا؟
***
هذا عين التأخر والبربرية والوحشية!
سوف يصك لكم الرجل الأوروبي النقود، سوف يجعل بعضكم فقراء وبعضكم أغنياء، سوف يجعل بعضكم يملك وبعضكم لا يملك، وهكذا تنشأ بينكم الأحقاد فتعرفون معنى الوصايا العشر».
كان هذا مختصراً لقصة «التقدم إلى الخلف» للدكتور مصطفى محمود رحمه الله.
«1»
تذكرت هذه القصة وأنا أتابع ندوة متعلقة بالجرائم الانتخابية نظمت مؤخراً، أثناء متابعتي للندوة تساءلت، كما تساءل «الزنوج العراة»؛ ما معنى الجرائم الانتخابية، ولماذا تقع؟ وكيف تقع؟ ولماذا الآن؟
لم تشهد البحرين، ومنذ انطلاق الانتخابات البرلمانية والبلدية الأولى عام 2002، مروراً بانتخابات 2006 و2010 وصولاً إلى التكميلية 2011، ما يمكن أن يطلق عليه جرائم انتخابية، بمفهومها المتعارف عليه في الدول الأخرى من تسويد بطاقات وطوابير دوارة وتزوير للكشوفات ومنع المقترعين بالقسر والإكراه من ممارسة الحق الانتخابي والانتخاب بأسماء متوفين، أو سرقة صناديق الانتخاب واستبدال أوراقها، أو الدفع النقدي العلني للناخبين.. إلخ، كانت كل الانتخابات السابقة نزيهة وشفافة بشهادة المراقبين والحقوقيين المحليين والعالميين، بل أن تلك الانتخابات دائماً ما يتم الإشادة بنزاهتها وشفافيتها من جميع الأطراف، بما فيها القوى المعارضة ذاتها.
وبالتالي فإن كل ما يمكن أن يقع في البحرين لا يتجاوز في أحسن الحالات توصيف «المخالفات» أو «التجاوزات» من البعض مثل؛ الدعاية في فترة الصمت، تمزيق يافطات الخصوم، الدعاية قرب لجان الانتخاب، محاولات التأثير على إرادة الناخبين..، وكل ذلك لا يرقى إلى مستوى «الجريمة الانتخابية»، بوضعها في المستويين الدولي والإقليمي.
وعليه فقد كان من باب أولى أن يتم توجيه الجهود في المرحلة الحالية إلى أمور أكثر إلحاحاً؛ حيث الحاجة ملحة لمصالحة وطنية مبنية على اعتراف من أخطأ بخطئه، والسعي إلى تحقيق شراكة حقيقية بين جميع مكونات المجتمع، وصولاً إلى تحقيق أهداف كبرى وطنية حقيقية تفيد الوطن والمواطن على حد سواء.
«2»
ذات القصة يمكن أن تنطبق على ما يجري في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تتحفنا بين الفينة والأخرى ببرامج تدريبية واهتمام خاص بـ«القانون الدولي الإنساني»، وهو القانون الذي يهدف بشكل أساسي إلى «حماية الأشخاص في زمن الحروب ومواقع النزاعات التي لا تطبق فيها القوانين والمواثيق التي تكفل حقوق المدنيين».
فهل تعاني البحرين من حروب وويلات وإبادة جماعية لتعنى بمثل هذا القانون الآن؟ وما هي الرسالة السلبية التي يطمح البعض بإرسالها للخارج؟ بل؛ ما جدوى التدريب عليه في هذا الوقت بالذات؟.
الإجابة بالتأكيد.. لا شيء؛ فالبحرين تتمتع بحالة أمنية مستقرة، رغم ما يجري من أعمال عنف بين الحين والآخر، فلاتزال مبعث ثقة وطمأنينة للمواطنين والمقيمين، ولم تصل إلى مرحلة الحروب الطاحنة والقتل الجماعي والاختفاء القسري، والذي تعاني منه كثير من دول العالم.
ويبقى السؤال «لماذا» قائماً..
إجابته ترقد بسلام في ضمائر بعض من جعلوا ملف حقوق الإنسان حبلاً يلف على جيد البحرين، تاركين مهمة «الشنق» لبعض من تغريهم المصطلحات التي لا يعرفون معانيها والاتفاقات والبروتوكولات التي يتحمسون لتوريط البحرين في المصادقة عليها، وبعض تلك البروتوكولات المكملة والمعاهدات، ويا للسخرية، رفضت إمبراطوريات الديمقراطية التوقيع عليها، لأنها مصممة لشعوب ودول بعينها ولأغراض معروفة ومحددة، يظن هؤلاء بحسب تفكيرهم القاصر أنها إنجازٌ يحسب لأشخاصهم العاشقة للظهور الإعلامي.
- ورق أبيض..
.. ويبقى الحليم حيراناً يتابع ولسان حاله يقول: استيقظوا يا قوم.
وحتى يستيقظ أولو الرشد وينزعوا برفق وحكمة الحبل الملتف على رقبتها.. سأبتهل من أجلها.
لك الله يا بحرين
لك الله يا حبيبتي!!