الرأي

سياسة التجويع و«كابوس عماد»

نبضات


تختص بعض الوظائف بمستوى عالٍ من الحساسية والأهمية في آن، فإن صلح شاغلوها صلحت الأمة، وإن فسدوا فسدت الأمة. فيما لو تمعنا في واقع الحال لوجدنا هذا النوع من الوظائف هو الأكثر فساداً على عدد من المستويات؛ إدارياً ومالياً وأخلاقياً.
تمتاز كل مهنة بأخلاقها العظيمة، ومن أهم هذه المهن؛ الطب، التعليم، الصحافة، القضاء. لكن السؤال؛ ما الذي يحدث لو تعرّت تلك المهن من أخلاقها؟! باعتقادي.. فإنه ليست ثمة ضرورة للتخيل.. فواقع الحال في كثير من منتسبي هذه المهن كفيل بالإجابة تفصيلياً على أبعاد ما نرمي إليه.
إننا لسنا بصدد تقديم دروس في الأخلاق والفضيلة، بل في البحث في أسباب الخروج عن أهم المقومات الأخلاقية للمهن، ولعلنا لسنا بحاجة لكثير من التفنيد والتمحيص، فكذلك الواقع الاقتصادي في البلد عموماً كفيل بتفسير الأمر؛ فعندما يحمل المعلم همّ معاش عياله، ولا يجد في مرتبه الشهري ما يفي باحتياجاته وعائلته، لا مناص من البحث عن مصادر دخل إضافي كالتعليم الخصوصي وما شابهه، شأن الطبيب عندما يتاجر بصحة الناس ويبتز أموالهم مستغلاً حاجتهم الاضطرارية للعلاج، وهو ما ينطبق كذلك على الصحافة والقضاء.. عندما تتحول تلك المهن إلى تجارة أو جسر للتكسب! ولعل القضاء هو الوحيد من بين المهن المتمتع بامتيازات «لا غبار عليها»، فيما يتراكم غبار يزكم الأنوف على أجور جميع الوظائف الأخرى المذكورة.
إننا نشكو من الفساد الإداري والمالي والأخلاقي الذي يرتكبه بعض هؤلاء، لكننا لم نبحث قط في علاج حقيقي للمشكلة، لأن الأمر ببساطة قد يكلف الدولة ميزانيات إضافية ومبالغ يدعى أنها ضخمة. وبالتالي قد يذهب جهد التفكير في موضوع كهذا هباء؛ كجهود النواب المتبعثرة مع الريح في ما يتعلق بزيادة الرواتب؛ فهل من مخرج يا حكومة؟!
المعادلة باختصار؛ متى ما شبع منتسبو هذه المهن، متى ما كان هناك ضمان أكبر لسلامة تلك الأجسام المهنية المهمة والحساسة، متى ما حصل المتميزون على التقدير والتكريم والعناية لجزيل ما يقدمونه من عطاء وتفانٍ، متى ما ارتقت البلاد وازدهرت مؤسساتها بمهنية عالية، والعكس صحيح تماماً. فهل ستظل سياسة التجويع قائمة لغاية في نفس يعقوب؟ أم مازال هناك بصيص أمل يرتقب ولو من بعيد؟! كلي أمل، وكثيرون معي، لو نحصل على إجابة.
ما سبق لم يكن رأيي الشخصي وحسب؛ إنما كان أطروحة قدمها أحد الإخوة في لقاء جمعني وتشكيلة متنوعة من الزملاء في الوسط الإعلامي، وتبادلنا حولها أطراف الحديث في هموم الإعلام ومشكلاته، حتى وجدنا هذه القضية تسيطر علينا وتعصف بأفكارنا بدلاً من إخضاعها لعصفنا الذهني!
- قبل توقف النبض..
الزميل «عماد عبدالله»؛ إنني مصابة بسلسلة كوابيس تردد أصداء عبارتك.. «شكراً.. لأني من 1997.. اليوم.. لأول مرّة أتكرّم».!!