الرأي

العيد الوطني البحريني.. الحاجة إلى لغة مشتركة

العيد الوطني البحريني.. الحاجة إلى لغة مشتركة

جميلة هي مشاعر الحب والولاء للوطن عندما تتحول إلى ظاهرة معدية تطال الجميع، حتى أولئك الرافضون للاحتفال بمباهجها، الساخطون على إشاعتها، المعاكسون دائماً لتيارات الفرح والبهجة، الراغبون في استبدال أجوائها الجميلة المحبة للأرض والقيادة بأجواء القنابل المحلية الصنع والتوتر الأمني؛ يطالهم شيء من هذه الاحتفالات، وتنعكس عليهم آثارها وتؤثر وإن كابروا وتواروا عنها. فحب الوطن فطرة أوجدها الله في نفس كل إنسان مثل حب الابن لأبيه أو أمه، فمهما فعلا لا يمكن للإنسان إلا أن يحبهما ويحترمهما.
غير أن ما نود بيانه اليوم، أننا في البحرين نحتاج مع مرور كل مناسبة وطنية وذكرى عزيزة على قلب كل بحريني إلى أمرين؛ أولهما، والذي يتفق فيه جميع البحرينيين حتى أولئك الذين يصنفون على أنهم معارضة فيما بالحقيقة هم ليسوا معارضة إنما يتخذون من شعار المعارضة ستاراً لما يقومون به من إجرام ويجملون إرهابهم بزينة مطالب تتشابه مع مطالب المواطن البحريني المحب لوطنه وقيادته، ما نتفق عليه هو جملة الامتيازات والمكاسب التي من الممكن أن يتغنى بها المواطن البحريني كفرد من أفراد الشعب البحريني ويستشعرها واقعاً ملموساً لا كلاماً واحتفالاً، وذلك من خلال تلبية احتياجاته ومطالبه وتحسين مستوى معيشته ووضعه خاصة المادي والقيام بخطوات ملموسة وفعالة تجاه الملفات والقضايا التي تكدست وتراكمت وظلت طيلة سنين مضت تشغله وتؤرقه حتى بات يشعر بشيء من الإحباط الممزوج باليأس من الخروج ببصيص نور أو أمل فيها.
كثير من الحاجات المعيشية والخدمية، خصوصاً زيادة الرواتب وتعديلها لتتناسب مع موجه الغلاء ووضع الحياة الحالي والإسكان والخدمات المتعلقة بتحسين البنى التحتية للدولة، إلى جانب ملفات الإرهاب والفساد والخمور والدعارة وتوفير الشواطئ العامة لم يتم التحرك فيها، ولم يصل المسؤولون القائمون عليها إلى أي خطوات فعالة يلمسها المواطن البحريني على أرض الواقع، ولم تعد هذه الملفات حديث الساعة أو قضية تثار وتظهر فجأة وتركد؛ بل باتت من عدة سنين المحور الأساسي والرئيسي الذي يتفق عليه جميع البحرينيين وتوحدهم على اختلاف آرائهم وتباين اتجاهاتهم.
قد يكون أسلوب المقارنة بين البحرين ودول المنطقة الشقيقة خاطئاً، ولا يمكن نظراً لما من الممكن تسميته التفاوت الاقتصادي الموجود بين البحرين وهذه الدول، لكن البحريني اليوم باتت تعتريه مشاعر السخط لوضع لا يتغير ولا يتقدم ولنمط حياة لا يتطور فيها رغم تغير الحياة من حوله وارتفاع تكاليفها، ورغم ما يسمعه ويراه من مكرمات ومزايا يتحصل عليها أهله وأنسابه ومعارفه في دول خليجية شقيقة مجاورة، فيما هو لا يزال قابعاً في مكانه لا يتحرك، والتغيير الوحيد الذي يشعر به هو تبدل الحياة وتعقدها أكثر أمام راتب لا يتغير ولا يتطور مع تطور الحياة الحاصل، حتى بات يشعر بأنه وصل لمرحلة تشبه ذاك الذي ينام ويحلم فيصحو ويكتشف أن واقعه مختلف تماماً عما جاء في أحلامه الجميلة في المنام.
البحريني اليوم يتغنى بحب الوطن ويقر بولائه المطلق للقيادة الرشيدة، ويحلم بوطن آمن جميل عناوينه الإنجازات، وفي نفس الوقت بات يشعر أنه يتغنى حلماً، فيما واقعه البحريني لا يتغنى به ولا يمنحه، مقابل حبه وولائه له أي مكتسبات، ولا يأتي كمثل أحلامه الجميلة من أمان، حتى باتت تختزله موجة إحباط ويأس من تغير حاله وتحقيق أبسط مطالبه وتلبيه احتياجاته التي بح صوته وهو ينادي بها، وبات تقرير ديوان الرقابة المالية، الذي يصدر في وقت ليس ببعيد عن توقيت احتفالات العيد الوطني، ضربة متكررة تزيد من إحباطه ويأسه أمام ما يستطلع عليه ويقرأ.
«ليتني قطري.. ليتني إماراتي»؛ تلك كلمات موجعة باتت تصدر من البعض في المجالس والمقاهي ومواقع العمل، خصوصاً مع التطور السريع والمتنامي الحاصل في هذه الدول، والذي بدأ بمواطنيهم من خلال الاهتمام بتحسين معيشتهم، وامتد ليشمل جميع القطاعات وأوجه الحياة لديهم، وذلك أمر مؤسف أن نسمع المواطن البحريني الذي يفتخر بوطنيته ويسارع في إظهارها خلال المناسبات الوطنية تختزله مثل هذه المشاعر بعدها، خصوصاً عندما نسمعه يقول «نحب البحرين ونتمسك بحبها ولا نزايد على ذلك، وقد نكون في إشاعة أجواء الفرح والولاء أكثر منهم في الخروج للشوارع والاحتفال، لكننا عندما نعود إلى منازلنا ونتفكر في واقعنا الذي من سنين لا يتغير نتمنى لو كنا مثل أشقائنا الخليجيين في الامتيازات والمكاسب التي يحصلون عليها، أو أن يتحقق شيء ما من مطالبنا، فلا يمكن أن تظل مطالبنا من سنين عدة هي نفسها مطالبنا اليوم».
معظم أحاديث المواطن البحريني هذه الفترة باتت تتجه نحو زيادة الرواتب وتوفير المنازل الإسكانية وإنهاء ملفات الفساد والتصدي للإرهاب وتحسين الوضع العام للدولة، وهو أمر يحز بالخاطر بأن نجد البحريني المعروف بأنه من أكثر الشعوب الخليجية تطوراً وذكاءً وعلماً وثقافة تنحصر نقاشاته وآراؤه وأحاديثه كلها في أمور بات من المخجل التحدث عنها وتكرارها أمام عامة الناس، فأمام من يتفكر ويتحدث في المشاريع وأحدث صرعات التكنولوجيا والاختراعات الحديثة بتنا نجد البحريني يتحدث ويتفكر في حاله ووضعه وينشغل به، وكأنه في عالم ودوامة أخرى تدور به ولا يجد منها مخرجاً أو نهاية.
أما الأمر الثاني والأخير؛ فهو أننا نحتاج إلى لغة مشتركة وواحدة بيننا نحن البحرينيين، صحيح أننا نتفق على حب البحرين والولاء لها، لكن لا بد أن تكون هناك عناوين موحدة فيما بيننا، وعنوان شامل يضم جميع احتفالاتنا ويختصرها تحت معنى وموضوع واحد. والمقصد من هذا أن تبادر جهه عليا، حتى وإن أسست وكونت كلجنة خاصة معنية فقط باحتفالات العيد الوطني، بإيجاد عنوان رسمي عام موحد كل سنة يوجد الصيغة العامة والاتجاه العام للرأي العام البحريني لاحتفالات العيد الوطني، ويكون هو العنوان المختار للسنة على سبيل المثال «البحرين أولاً»؛ حيث تبادر جميع الجهات المعنية بتنظيم احتفالات العيد الوطني بإيجاد الفعاليات والأنشطة التي تدعم هذا الشعار وتجسده وتترجمه، سواء بالأناشيد أو المحاضرات أو الرسومات أو التصاميم أو الشعارات أو حتى الكتابات والقصائد، حتى يشعر كل بحريني بما يراه ويلمسه من فعاليات مشاركاً فيها متعايشاً مع الشعار وعنوانه، وإن البحرين فعلاً أولاً وقبل كل شيء، وإن كل سنة تمر بالبحرين تحمل عنواناً جديداً يتماشى مع اتجاه الرأي العام وأوضاع الوطن.
إن الخروج من نمط الاحتفال الروتيني المتكرر وكسره من خلال الابتكار والتجديد هو محفز آخر لإظهار المواهب والإبداعات والطاقات الشبابية في التعبير عن حب الوطن والولاء له والتأقلم مع المتغيرات التي يمر بها الوطن، خصوصاً إن تولت هذه اللجنة العليا أو المشرفة على وضع العنوان تنظيم مسابقات ترافق موجه الاحتفالات المنظمة كأجمل قصيدة تترجم كلمات الشعار أو أجمل تصميم أو أجمل فعالية أو برنامج إلكتروني يظهر منجزات البحرين. ولن يكون الموضوع منحصراً في كونه محفزاً فقط للمواطنين؛ بل موثقاً ومدرسة ودليلاً يكتسب منها المواطنون والأجيال العناوين الوطنية بملامستها واقعاً ومعايشتها أكثر من قراءتها والمرور عليها كعنوان وواجهة تزين الشارع وتنتهي.
وبالإمكان تحقيق ذلك من خلال التنسيق مع المحافظات الخمس والمجالس البلدية والمؤسسة العامة للشباب والرياضة، والتي تطرح في كل عام برامج وأنشطة تحمل شعارات وطنية جميلة.
إحساس عابر..
تفجير قنبلة محلية الصنع في منطقة دمستان، والتي أسفر عنها إصابة رجلين من رجال الأمن وإعلان جماعة تسمي نفسها «سرايا الاشتر» مسؤوليتها عنها، وقاحة ما بعدها وقاحة في تنفيذ الأعمال الإجرامية التي تعكس مدى حجم القنابل المشتعلة في نفوس الإرهابيين جراء مظاهر الاحتفالات الوطنية، ورجال الأمن ليسوا لعبة بيد الإرهابيين أو واجهة تستهدف كلما دبرت عملية إرهابية، لا بد من الضرب بيد من حديد على قادة الإرهاب وكفانا خسائر في صفوف رجال الأمن.