الرأي

الاتحاد الخليجي.. آفاق واسعة

نبضات

باتت بعض ملامح صورة الاتحاد الخليجي تتضح من خلال قمة الكويت، وقد تمخضت عن عدد من الاتفاقيات أغلبها في الجانب الأمني، ولعل أبرز ما تمخضت عنه القمة مشروع إنشاء جهاز للشرطة الخليجية، وأكاديمية خليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية، غير أن خطوات كهذه هي أشبه ما تكون بالشرطة الفيدرالية الأمريكية والتي لا تتعارض في وجودها مع شرطة مستقلة لكل ولاية على حدة، وباعتقادي، فإن الاتحاد الخليجي، يتطلب مزيداً من المواقف الخليجية والخطوات الفاعلة نحو تكامل حقيقي يقود بدوره للاتحاد.
يبدو لي أن أولى الخطوات نحو التكامل الخليجي، أن يكون هناك ميزانية موحدة لدول الخليج العربية، يتم من خلالها تمويل كافة المؤسسات والمشاريع بصفة متعادلة ومتساوية في جميع دول الاتحاد، توحيد القيمة السعرية لكل وظيفة نأياً عن التباين اللافت بين مستويات الدخول في دول المنطقة. ولا ضير في ذلك من بدء التجربة بتبادل الخبرات والكفاءات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الخليجي، مع ضمان مستوى الدخل.
لعل واحداً من أهم المحاور التي لابد من الوقوف عليها عند الحديث عن الاتحاد الخليجي، ضرورة العمل بنظام الخصخصة، وتشجيع القطاع الخاص بشكل أوسع، وذلك نظراً للآفاق المفتوحة لمجموعة دول الخليج العربي، بما لا يمكن السيطرة عليها وإداراتها بما يكفي من قبل وزارة واحدة خليجية في كل مجال، الأمر الذي يعني كذلك انصهار جميع وزارات الخليج في روح وزارة موحدة تستقر في العاصمة الخليجية. إن مشروع الاتحاد على هذه الهيئة وعلى غرار النموذج الإماراتي وحتى الأمريكي، سيقود لقيام وزارات ومؤسسات حكومية معنية بدور الرقابة والتنظيم والجودة في شأن معين، كالصحة والتنمية والتعليم وغيره، أكثر من تقديم الخدمات بصفة مباشرة، ولعل واحدة من أهم معوقات ذلك الاتحاد ضياع عدد كبير من المراكز والمناصب العليا في جميع الدول الخليجية، وانخفاضها بمقدار السدس.
سيقود الاتحاد الخليجي كذلك، لفتح آفاق وظيفية أوسع في كافة المنطقة لمواطني الخليج العربي، وربما لإلزامية التنقل بحكم ظروف الوظيفة في ذلك النطاق الجغرافي الواسع، ليحل مفهوم «إلزامية التنقل» في بعض الأحيان محل «حرية التنقل» على غرار الوضع الراهن في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، حيث توفر مثلاً فرصة وظيفية في دبي لمواطن من أبوظبي أو العكس، وتجد آخر من المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية يضطر لنقل مكان إقامته إلى الرياض أو جدة أو غيرها، بحكم وجود وظيفته هناك. إن فتح المجال للاتحاد الخليجي يعني مزيداً من الانتشار على تلك الرقعة الجغرافية الواسعة نسبياً، ولن يكون هناك ثمة مجال للتراجع أو التردد عن عمل البحريني في قطر مثلاً، أو السعودي في الكويت، والعماني في البحرين، وهكذا. هنا.. يبرز دور سكة الحديد الخليجية، وما قد تقدمه من تسهيلات للتنقل بما يخفف من صعوبة الحياة والتنقل في ظروف المهن في مناطق مختلفة، حيث سيكون من السهل جداً الانتقال من البحرين إلى قطر في ظرف نصف ساعة مثلاً عن طريق القطار.
واحدة من المحاور المهمة كذلك، فكرة إلغاء التعرفة الجمركة بين الدول الأعضاء في الاتحاد، وتكامل الإنتاج بحيث يتم إنتاج بضائع خليجية 100%، بتوفير الخامات من خلال مصانع خليجية مختلفة وتجميعها فيما بينهم، وكذلك لجميع الخدمات والبضائع الأخرى.
وربما من أكبر المشاكل التي قد تواجه المملكة العربية السعودية في هذا الخصوص، ضرورة التراجع نسبياً عن تلك المنظومة التشريعية والقيمية والتي تختلف إلى حد كبير عن بقية دول الخليج العربي، لاسيما فيما يتعلق بالمرأة وعملها، وحقوقها المدنية وما شابه، ومن أجل اتحاد حقيقي، ستضطر السعودية إلى حد كبير إلى تغيير ذلك النظام المعمول به داخلياً، بل وتهيئة المجتمع له في وقت يتناسب مع حجم التغيير وما قد يترتب عليه من مواقف شعبية متوقعة.
لمحات سريعة حاولت جاهدة أن أتناولها على عجالة بما يغطي أهم ما يتعلق بالاتحاد الخليجي من قضايا، لابد أن تضعها الشعوب في حسبانهم، لمزيد من الفهم لمعنى الاتحاد الخليجي، ومزيد من الاستعداد لمرحلة مقبلة، تشكل المنعطف الأكثر أهمية في تاريخ المنطقة - إن صح التقدير.
- نبضة شوق..
لأننا ندرك تماماً أن في الاتحاد قوة، فإن اللهفة لتلك القوة لا تتوقف أبداً..
جميع دول الخليج العربي بلا استثناء -وبعيداً عن بعض المواقف المؤقتة- تتوق لذلك الاتحاد ليس على صعيد النظام السياسي للمنطقة فقط، وإنما على صعيد الروابط الأخوية والعلاقات التي تجمع الشعوب، ونزوعاً للارتقاء بالمستوى الخليجي على كافة المقاييس وتحقيق نوع من التوازن المعيشي والاجتماعي بين كافة الأطراف.