الرأي

«حوثنة» الوفاق

«حوثنة» الوفاق

لا يستبعد أن تستخدم الوفاق يوماً ما صواريخ «كاتيوشا» وتسير بمدرعات و«مجنزرات»، وذلك بعدما وصلت قدراتها الإرهابية إلى صناعة القنابل وحيازة المواد المتفجرة والأسلحة النارية من «كلاشنكوف» و«شوزن» ومسدسات، إلـى جانب ميليشيات متدربة عسكرياً، والتي مازالت تواصل تدريبها بكل سهولة ويسر؛ فالخطوط إلى العراق ولبنان واليمن مفتوحة، وكذلك المزارع والمخابئ في البحرين. الوفاق اليوم تسير على خطى الحوثيين الذين وصلوا إلى مرحلة الدولة، كما وصل حزب الله في لبنان، وها هي الأخبار تقول: «في تصعيد خطير قصفت ميليشيات الحوثي المسلحة منطقة دماج بصواريخ الكاتيوشا بعد فشل لجنة الوساطة التوصل إلى حل لإيقاف إطلاق النار، كما يشن الحوثيون حملة اعتقالات واسعة ضد أهل السنة بصعدة».
إذاً لا غرابة أن نسمع بصواريخ أطلقتها الميليشيات الوفاقية، وذلك بعد أن أصبح التشابه بين الحوثيين والوفاق يكاد يكون بالضبط، فها هي المليشيات الوفاقية تزرع القنابل وتفجر رجال الأمن وتعتدي على المواطنين وتقطع الشــوارع العامة وتفجر في كل مناطق البحرين، أما بالنسبة لحملة الاعتقالات، فقد مارستها الوفاق أيام الدوار باختطافها للمواطنين والمقيمين وبعض من رجال الأمن، ولو كانت جغرافية البحرين تشابه جغرافية اليمن، لتفوقت ممارسات الوفاق الإرهابية على إرهاب الحوثيين، ورغم جغرافية البحرين المسطحة والمحدودة المساحة فقد استطاعت الوفاق أن تمارس كافة أنواع الإرهاب؛ فما بالكم لو كانت ميليشيات الوفاق تتعسكر على جبال وهضاب.
نواصـــل ذكـــر التشابـــه بيـــن الوفـــاق والحوثيين؛ حيث خرج يوم الجمعة الموافـــق 19 يوليـــــو 2013 ما يسمــــى «أنصار الله الحوثيون وشباب الصمود»، يستعرضون قوتهم في العاصمة صنعاء في أربع مسيرات تنطلق في وقت واحد ومن مناطق مختلفة، لإحياء أربعينية ما يسمى شهداء مجزرة الأمن القومي، والتي طالب المشاركون فيها بإسقاط حكومة الوفاق الوطني، وتسليم قتلة ما يسمى الثورة، وتأتي هذه المسيرات المشتركة تحت اسم «الهبة الشعبية»، وهي التسميات ونفس المضمون ونفس المطالبات ونفس التحركات، وذلك عندما انتقل الحوثيون بمسيراتهم إلى قلب العاصمة صنعاء، وكذلك يفعل الوفاقيون.
نقف هنا عنـد زعيـم التمرد الحوثـي، عبدالملك الحوثي، وإعلانه ثمانية مطالب رئيسة لإنهاء التمرد عام 2010، ومنها؛ الإفراج عن المعتقلين، التعويض والإعمار، عودة الموظفين والمدرسين والمبعدين والمفصوليـن إلــى أعمالهـــــم وصـــــرف مستحقاتهم، عدم عسكرة الحياة المدنية، إيقاف الاستهداف الأمني والسياسي والعسكــري والفكري، التعامل مع أبنــــاء المحافظات دون تمييز طائفي، وإيجاد تنمية حقيقية. إنها نفس شروط زعيم التمرد الوفاقي على الدولة، أما بالنسبة لرد الدولة فكان: «على الحوثيين الالتـزام بنقاط الدولة دون شروط، وأن فشل تجارب سابقة تم القبول خلالها بإيقاف العمليات العسكرية وكانت كلها تبوء بالفشل، حيث كانت تلك العناصر تستفيد من إيقاف العمليات العسكرية لإعادة تجميع قواها وترتيب صفوفها وسعيها للحصول على المزيد من الأسلحة والعتاد العسكري والتمترس وقطع الطرق».
ما حدث بعدها أن أصدر الرئيس اليمني آنذاك علي عبدالله صالح وعشية الذكرى العشرين لتحقيق الوحدة اليمنية عفواً عاماً، وتم الإفراج فوراً عن كل من شارك في أحداث التمرد الحوثي والخارجين على النظام والقانون.
وها هم الحوثيون في يناير 2013 يقرُّون هيكل دولتهم في اليمن على الطريقة الإيرانية، حيث تم تشكيل مجلس أعلى في كل محافظة يتولى تشكيل مجلس شورى ومجلس قضاء ومجلس خبراء، ويتم فتح فروع في كل المديريات بموازاة وجود مؤسسات الدولة اليمنية، والمجلس الأعلى يتكون من كبار رجال الحركة وبجانبهم شيوخ قبائل وضباط في الجيش يوالون الحركة، ومجلس الشورى ومجلس الخبراء الذي يضم أصحاب كل التخصصات العلمية، كما قاموا بإدماج صغار السن من 15 سنة في مجالس شبابية تابعة للحركة. وأما شرط المشاركة بالحوار فقد اشترط «رئيس دولتهم في الظل» المدعو الشيخ رسام للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني أن يكون باسم المجلس، وقال إنه في حال لم تتم الموافقة سيكون هناك موقف آخر، منوهاً إلى أن المجلس أصبح كياناً شعبياً.
اليوم يقوم الحوثيون بنشر تشكيلات مسلحة في محافظة حجة، برغم وجود طواقم عسكرية تتبع الداخلية، ورغم تواجد نقاط أمنية، دون أن تبدي تلك النقاط أي تحركات، حيث أثار تنقل مسلحـــي «الحوثـــي» استيـاء المواطنين الذين اعتبروا ذلك مؤشر خيانة تحدث داخل أجهزة الأمن والجيش.
إذاً لا فرق بين الحوثيين في اليمن والوفاق في البحرين؛ فالخطة واحدة والهدف واحد، رغم محاولة الدولة اليمنية استرضاء الحوثيين والاستجابة لكل مطالبهم، إلا أنهم استمروا في مواجهتهـم للدولة حتى السيطرة عليهـــا، وهم الآن قد تعدوا حدود صعدة حتى وصلوا صنعاء، وها هم يخترقون الجيش والأجهزة الأمنية التي مكنتهم من صناعة دولتهم، فلديهم مجلس أعلى ومجلس شورى ومجلس قضاء وقوات أمنية في داخل أجهزة الدولة، وجنود وضباط في المؤسسة العسكرية اليمنية، وهذا ما ستسعى لإنجازه الوفاق حين تدخل في الصلح مع الدولة، ولكي تحقق الجزء الأخير من مراحل الدولة الحوثية في اليمن، وبعدها يصبح كياناً شعبياً متكاملاً وقادراً على فرض نفسه على الدولة حين يتمكن مثلما تمكن الحوثيون.