الرأي

غثيان

كلمة أخيرة

حين صادرت وزارة الداخلية متحف الانقلاب الذي أقامته جمعية الوفاق، علقت جمعية الوفاق لقناة فرانس 24 تعليقاً يستحق أن نقف عنده قليلاً لأنه يكشف عن قعر لم تدركه كل المنحدرات الأخلاقية التي وصلت إليها قبل ذلك.
لن أناقش اليوم حجم الكذب والتلفيق والمبالغات والفبركة ولن أناقش وضع الشيعة في البحرين والحريات التي يتمتعون بها في ممارسة معتقداتهم، لن أناقش حتى عقدة الاضطهاد التي وصلت إلى حالة مرضية عند مجموعة الوفاق إلى درجة يصعب علاجها، بل سأقف عند منعطف أخلاقي خطير تستباح فيه المحرمات، ويشرعن «النفاق» والتملق الممجوج، والتمثيل المسرحي.
علقت الوفاق على مصادرة الداخلية لمقتنيات المتحف، بأنهم استلهموا فكرة هذا المتحف من «ياد فاشيم»! في البداية اعتقدت أن هناك خطأ مطبعياً في النص «اعذروا جهلي» فالكلمة غريبة على أذني إن سمعتها وعلى عيني إن قرأتها، وأعتقد أن قليلين جداً من سمع بـ «ياد فاشيم» قبل اليوم، فما هو «ياد فاشيم» وكيف وصل العلم بـ«ياد فاشيم» إلى جمعية الوفاق؟!!!
بعد البحث اكتشفت أن «ياد فاشيم» هي مؤسسة إسرائيلية رسمية أقيمت في 1953 بموجب قرار الكنيست الإسرائيلي كمركز أبحاث في أحداث الهولوكوست، والهولوكوست كما هو معروف المحرقة اليهودية، أي إبادة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية عبر حرقهم بأفران الغاز، و«ياد فاشيم» المؤسسة التي أقيمت لتخليد ذكر ضحاياها.
تم اختيار اسم «ياد فاشيم» نسبة إلى تعبير في سفر إشعيا «الإصحاح 56؛ الآية 5»: «إني أعطيهم في بيتي وفي أسواري نصباً واسماً». «نصب واسم» هي الترجمة إلى العربية لتعبير «ياد فاشيم» الواردة في النسخة العبرية الأصلية لسفر إشعيا.
بداية من الواضح أن الوفاق تعمدت وبقصد أن تذكر هذا التشبيه لقناة أجنبية أوروبية ولم تذكر هذا التشبيه إلى الصحافة المحلية أو أية وسيلة إعلام عربية أو حتى على موقعهم الرسمي، والسبب واضح ومعروف وبديهي، وهو الذي يستحق أن نقف عنده، إذ وصل الحال بالوفاق الآن أن تعتاد الذل والمهانة وتتظاهر بما لا تؤمن به «لن أستغرب أن يشترك أمين عام الوفاق في برنامج مسابقات كبرنامج إكس فاكتور إن استدعى الأمر للفت الأنظار والبحث عن شعبية وصلت الحضيض»!!
إنها درجة من النفاق لم يسبقها إليها أحد، تدنت إلى أن قبلت بأن تتقرب وتتغزل وتتملق وتمسح وتلعق، أي أرض تدوس عليها، أي جماعة تشتكي من عقدة الاضطهاد، لا يهم تناقض مبادئ الوفاق مع تلك الجماعة، لا يهم بعدها عقائدياً بعد الشمس عنها، لا يهم إن مارست الوفاق تناقضاً فاضحاً بين خطاب يعتبر إسرائيل ويعتبرها ورماً يجب استئصاله كما قال مرشدهم، وبين خطاب يتملقهم كهذا الذي يتقرب من اليهود بالتشبه بهم، لا تهم الوسيلة لا يهم من يستعان به إن كانوا يهوداً أو الجماعات المثلية المهم أن تمس وتراً حساساً كي تكسب تعاطفهم ويساعدوها في ترويج «ظلاماتهم»!! للعلم لا أحمل أي موقف عدائي من أي جماعة من التي ذكرت ولكنني أقف عند فضيحة النفاق التي تمارسها جمعية «إسلامية» تلك الجمعية التي لا يمكن أن تقبل عقائدها ولا حتى مرشدها هذا التناقض والتمسح بمن يشتم في أدبياتها ليلاً ونهاراً كإسرائيل وبين استلهامهم منهم الأعمال، أليست الوفاق من لبت نداء مرشدها بيوم القدس؟ أين تكريم يوم القدس إذاً من التملق لمؤسسة إسرائيلية؟
كنت أتمنى أن يسلط الضوء على هذا التصريح، ليرى العالم سوق النخاسة الأخلاقي الذي باعت فيه هذه المجموعة كل القيم والمبادئ برخص التراب، باعته من أجل أن تلفت نظر اليهود لها وتكسب تعاطفهم، فلم أرَ في حياتي تفسخاً أخلاقياً كهذا، أقل ما يقال عن تملق الوفاق لليهود بأنه استهزاء بمعانات اليهود وبضحاياهم وبمأساتهم في أوروبا، فهل يجرؤ أحد أن يشبه وضع شيعة البحرين كوضع اليهود في أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية حين كانت المطاعم تكتب على أبوابها ممنوع دخول الكلاب واليهود؟
أقل ما يقال عن تملقهم بأنه شيء مقزز وممجوج ووصل إلى حد إثارة الغثيان.