الرأي

طابور مدرسي في ضفاف الشارع.. والشعب يريد طراداً لكل مواطن!

طابور مدرسي في ضفاف الشارع.. والشعب يريد طراداً لكل مواطن!

لا يمكن أن يصل الحال يوماً في الاستخفاف بحياة الناس، قبل عقولهم، كما حدث خلال فترة أمطار الخير التي هطلت علينا، وكما يحدث دائماً في كل فصل شتاء رغم الحملات الإعلامية التي أصبحت معزوفة قديمة مكررة تقودها الجهات المختصة قبله بفترة تحت شعار «نحن على أتم الاستعداد واتخذنا الإجراءات اللازمة لمنع تكرار ما جرى في السنة الماضية!».
إن استعراض العضلات الإعلامية يا مسؤولين ويا شطار لا يمكن أن يتم قبل بدء الموسم، وكأن هناك تنجيماً صحافياً يحصل بأن الأمور ستكون طيبة بإذن الله؛ بل إن الشطارة تكمن في الخروج بمثل هذه التصريحات والاستعراضات الإعلامية الكلامية من جانبكم بعد تساقط الأمطار، وبعد أن يظهر «بالفعل» قبل «القول» إن الإجراءات اللازمة من جانبكم قد اتخذت فعلاً في سبيل إيقاف مسلسل تكرار المشكلات!
فكما هناك أغنية الحلم العربي التي يقول مطلعها «أجيال ورى أجيال حتعيش على حلمنا»، فإن حلم المواطن البحريني بات اليوم بأن يأمل ألا يعيش المأساة المتكررة على وقع «أجيال ورى أجيال حتعيش على بركنا وسوء حالنا!».
إن كانت هناك كلمة حق يجب أن تقال فإنه لا يمكن القبول بهذا الوضع مطلقاً، ولا يمكن استمرار مسلسل السكوت والتهاون عن محاسبة المسؤولين بدءاً من كبارهم إلى صغارهم في هذا الشأن «هي ما طالت وشمخت لا هي طالت وغرقت!»، منذ سنين ونحن نراوح مكاننا ولم ننه هذا الملف رغم أنه لا يشكل معضلة كبيرة وضخمة، فلله الحمد بلدنا بالأصل بلد صغير مناخه صيفي في أكثره، ولا يعاني من أزمات الفيضانات. إن ما يحدث تدمير حقيقي لمنجزات الوطن وإيقاف عجلة التنمية فيه بضربة قاضية متكررة وإن جاءت خلال يوم أو يومين من كل سنة «شدعوة الوطن والمواطن قاعدين على حسابكم في هاليوم أو اليومين؟»، إن أعداء الوطن الحقيقيين ليسوا فقط من أظهروا ذلك خلال أزمة البحرين المؤسفة فحسب، فهم مكشوفون ومعروفون ومن السهولة التصدي لهم وكشف خباياهم، بل إن العدو الحقيقي للوطن هو المخفي المجهول غير المكشوف للعامة، والذي يحسب على أن قلبه على الوطن فيما يكتشف لاحقاً أن جيبه هو الذي على الوطن يستنزف منه ما يشاء ويريد دون تسليط ضوء المحاسبة عليه وأن مصلحة قلبه ونفسه تأتي قبل الوطن!!
إن تقاذف المسؤوليات بين الجهات المعنية ومحاولة كل مسؤول نفض المسؤولية من جانبه من خلال تصريحات يظهر بها على صفحات الصحائف «شغل ما يوكل عيش ترى»، فكما إن المثل الذي يقول «صحيح إن لم تستحِ فافعل ما شئت»، فالوضع الحاصل بالبحرين اليوم يدعونا أيضاً، بل يلزمنا، إلى تطبيق المثل بحذافيره عليهم من خلال عدم «الحيا» والخجل وفعل ما شئنا معهم بدءاً من محاسبتهم وصولاً إلى فضحهم وتداول فسادهم المتضخم والمتفشي انتهاءً بمطالبات طردهم أو إقالتهم «طالما هم لم يستحوا ويقدموا استقالاتهم بعد أن أثبتت كل تحركاتهم أنها بلا جدوى وتصريحاتهم الكلامية الاستعراضية الفشل».
عندما قلنا إنه لا يمكن الاستخفاف بحياة الناس فإننا لا نقصد فقط حياة الناس من ناحية طبيعة الحياة وروتينها وجدول البرنامج اليومي العام لحياة كل مواطن؛ بل ما نقصده مع هذا حياة الناس وأرواحهم التي لا يمكن الاستهانة بها في ظل تعطل الحركة العامة بالشوارع والمناطق، فمعروف أن قدوم فصل الشتاء يزيد من موجات الأمراض المزمنة عند بعض المرضى، خصوصاً أمراض التنفس والرئة وتغيير البرنامج الغذائي، وتبدل ساعات اليوم النهارية والمسائية له تأثيراته على مرضى السكر والضغط.. تخيلوا -لا سمح الله- وقع حادث أو حالة طارئة لأحدهم في منزله ووجد سيارته بالخارج غارقة في الماء، فيما سيارة الإسعاف عالقة في زحمة الشوارع الممتلئة بالماء؛ كم حالة طارئة يومها ستهدر حياتها أو تتعرض للخطر جراء مسلسل الاستهتار وتحمل اللامسؤولية؟ إن كان هناك من لا يمتلك روحاً تحمل المسؤولية والشجاعة في تقديم استقالته والاعتراف بتقصيره، فالكرة بيد الدولة الآن لمحاسبتهم وإزاحتهم من مناصبهم لجعلهم عبرة لمن قد لا يعتبر من بعدهم!
فصل الشتاء فصل جميل لا يمكن لأي عاشق للطبيعة ومحب لها ألا يحبه أو لا ينتظر حضوره، وبدلاً من أن ينعم المواطن فيه بنعمة التأمل في جمالية الأجواء ونعم الله سبحانه على عباده بالخير والبركة تراه «يتبهدل» و«يتنرفز» ويتضايق كثيراً، وهو يفكر في كمية المشكلات التي سيحصدها جراء تساقط زخات المطر «مطرتين ومسويه فينا كل هالعمايل؟ حتى على المطر بنحصل فساد وأزمات؟» بعض الدول تعاني من تساقط الأمطار فيها بشكل يومي، وهناك دول تعاني من استمرار تساقط الأمطار الغزيرة عليها لأكثر من أسابيع دون توقف «ولا نرى فيها أي مظهر من مظاهر تعطل الحياة! بل إن رقي البنية التحتية فيها يعكس مدى تحضرها وتطورها وتقدمها التنموي الذي يصب في ركيزة تقدمها الاقتصادي.
أكثر منظر دفعنا للتعجب هو منظر وقوف مدرس أو مشرف «لا نعلم» بالقرب من باب سور المدرسة، فيما الطلبة كانوا متجمعين على الضفة الأخرى من الشاطئ، عفواً الشارع، المقابل لمكان وقوفه، وقد أخذ يشرح لهم من خلال إشارات اليد البعيدة كيف يقومون بخلع جوارب أحذيتهم ومن ثم إعادة لبس الأحذية ورفع بناطيلهم المدرسية والنزول والسير في مياه الأمطار للوصول للمدرسة، حيث ظل يشجعهم على المجازفة وكأنه قد عقد معهم تمارين الطابور الصباحي في الشارع!
أقل القليل كنا نجد سيارات شفط المياه منذ الصباح الباكر متواجدة بالقرب من المناطق التي من المعروف أن مستوى البنية التحتية فيها معدوم لسحب الماء، حتى لا تعطل مياه الأمطار المتجمعة الناس المتجهة لدواماتهم، أعتقد بأن الإجابة قد تكون عدم توافر عدد كافٍ من سيارات الشفط لكل منطقة، وهو جواب قد يكشف أنه لا وجود لخطة طوارئ حقيقية وجادة بالأصل في حال تعرض البلاد لا سمح الله لكوارث طبيعية كبيرة!
إن استمرار هذا المسلسل قد يدفع البعض للمطالبة باستبدال عبارة «بيت لكل مواطن» بــ«طراد لكل مواطن»، طالما المواطن يجد نفسه لا يستطيع أن يقول إنه متجه إلى الدوام بل «مبحر إلى الدوام»، وطالما أخذ يجد سيارته تتحول إلى سفينة وهي تسير بين أمواج الأمطار المتلاطمة على الشارع وتشق طريقها في البرك والمستنقعات بشعور من يقود سفينته وينثر الأمواج العاتية على جانبيها في سبيل الجهاد للوصول للعمل!
- إحساس عابر..
في السماء التي لا حدود لها يحكى أنه كانت هناك حكاية عطاء اسمها المطر! هدية سماوية من الله تحمل خيراً يهطل على الناس والعالمين ليمنحهم دروس البذل والخير والكرم.. لا أكرم من الله سبحانه.. مطره نعمة تحمل دروس حكمة في التأمل في جلالته وعظمته وقدرته.. حكاية المطر حكاية عطاء تسردها السماء متى ما تشاء لنا!