الرأي

مجزرة المحمرة ومآسٍ أحوازية أخرى

مجزرة المحمرة ومآسٍ أحوازية أخرى

صادف يوم أمس؛ الثلاثين من أيار، ذكرى مذبحة «الأربعاء السوداء» التي وقعت في مدينة المحمرة عام 1979 على يد جنود الخميني السفاح، تلك المجزرة التي نفذت بقيادة حاكم الأحواز العسكري آنذاك الأدميرال أحمد مدني ونفذتها مليشيا الحرس الثوري الإيراني وعصابات الملثمين من الأعاجم سكان المدينة، لم تكن تلك الجريمة أقل بشاعةً ووحشية من المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في دير ياسين وكفر قاسم وجنين وغيرها من المجازر الصهيونية الأخرى.
لقد سقط في تلك المجزرة أكثر من خمسمائة أحوازي ومئات الجرحى بينهم نساء وأطفال وشيوخ نتيجة القصف المتعمد على الأحياء السكنية للجانب الجنوبي من المدينة والمسمى «كوت الشيخ»، والذي كان يخلو من السكان الأعاجم، كما طال القصف أيضاً الجانب الشمالي من المدينة، حيث مقر المركز الثقافي العربي والمنظمة السياسية للشعب العربي الأحوازي.
استمر القصف لثلاثة أيام بلياليها، مما حول المدينة إلى ساحة حرب حقيقية بعد أن أغلقت سلطات الاغتصاب الإيرانية جميع المنافذ وفرضت أحكاماً عرفية على سائر المدن العربية الأخرى لمنع أبنائها من نجدة إخوانهم في مدينة المحمرة، والتي كانت تتعرض لعدوان عنصري حاقد.
أعقب تلك المجزرة العنصرية مداهمة بيت المرجع الديني للعرب الشيخ محمد طاهر شبير الخاقاني، وتم اعتقاله ونقله إلى مدينة قم ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وهو بذلك أول مرجع ديني كبير يتم اعتقاله في ظل نظام ما يسمى الجمهورية الإسلامية، ما فتح الباب في ما بعد للاعتقالات وتوجيه الإهانات لرجال دين كبار آخرين من أمثال الشريعتمداري ومحمد الشيرازي والشيخ حسن القمي وآخرين كانوا قد أبدوا وجهات نظر مخالفة للحكام الجدد؛ الذين حولوا الدين إلى وسيلة للتسلط على رقاب الشعوب في إيران من خلال ابتداع نظرية ولاية الفقيه التي كرست جميع السلطات بيد شخص واحد وجعلته الحاكم بأمر الله.
وبعد هذه المجزرة مباشرة شنت السلطات الإيراني حملة إعدامات بحق الشباب الذين تم اعتقالهم إثر المظاهرات والاحتجاجات التي خرجت في المدن الأحوازية استنكاراً لهذه الجريمة، والتي فتحت الباب لبعض الأطراف الأحوازية لتقابل عنف السلطات الإيرانية الغاصبة المتمثلة بنظام ولاية الفقيه بالعمل المسلح، حيث كان البعض منا يعارض هذا النوع من العمل النضالي حتى لا يكون حجة علينا وفرصة للسلطات الغاصبة باتهامنا «بمعاداة» الثورة والنظام الإسلامي، وبالتالي تقدم على ضربنا تحت هذا الغطاء الكاذب، لكن الجرح الذي خلفته مذبحة المحمرة وما أعقبها من حمامات دم وحملة إعدامات واسعة طالت خيرة المناضلين من أبناء شعبنا، كان أكبر من أن يندمل ويجف نزفه، وهو ما دفع بمجموعة من الشباب العربي الأحوازي في 30 نيسان 1980 محملين بآلام الحرقة ونزيف الجرح للقيام باقتحام السفارة الإيرانية في لندن مطالبين بإطلاق سراح المئات من المعتقلين في سجون سلطات نظام ولاية الفقيه الغاصبة، وبعد أن رفضت هذه السلطة تلبية مطالبهم الإنسانية أقدمت القوات البريطانية الخاصة في 5 أيار على مهاجمة السفارة وقتلت أربعة منهم واعتقلت الخامس وحكمت عليه بالسجن المؤبد.
إلى جانب هذه المأساة؛ فقد حدثت مأساة أخرى في أيار عام 1985، وتحديداً في الثالث والرابع عشر، عندما خرجت جماهير شعبنا في مدينة الأحواز «أكبر مدن الإقليم» ثائرة لكرامتها العربية بعد أن عـرّضت بها سلطات الاغتصاب الإيرانية في مقالة نشرتها صحيفة «اطلاعات» على لسان أحد مسؤولي نظام ولاية الفقيه، وكانت المقالة التي نشرت في 6 أيار تحت عنوان «الأحواز في الحاضر والماضي» محملة بأنواع السب والشتم والإهانة والطعن بكرامة العرب عامة والشعب العربي الأحوازي خاصة، وقد رد الأحوازيون بانتفاضة جماهيرية سقط فيها العشرات من الشهداء والجرحى واعتقل المئات الذين حكم على العديد منهم بالسجن لمدد طويلة.
إن هذه المآسي والأحداث المؤلمة ما هي إلا جزء يسير من مآسٍ متعددة أخرى عاشها شعبنا ومازال يعيشها تحت ظل سياسة القهر والإذلال والتمييز العنصري التي تمارسها سلطات نظام الولي الفقيه.
إننا إذ نحيي ذكرى هذه المآسي والأحداث إنما نحييها لنحفظ بها حق الشهداء والمناضلين الذين سبقونا، والذين هم قدوة لأجيالنا ومشاعل نور في طريقنا نحو التحرر من قيود الاغتصاب الإيراني.
كما إننا نستذكر هذه المآسي لنبين لأبناء أمتنا والعالم أجمع معاناة شعبنا وما لقيه ويلاقيه من جرّاء ظلم نظام المدعين بالإسلام في إيران.