الرأي

ليسوا بلطجية.. هؤلاء أبناء أبطال العبور والسد العالي

ورق أبيض

أنظار العالم تتجه مرة أخرى إلى مصر وميادينها ومظاهراتها الحاشدة غير المسبوقة، حسب تصريحات المصادر العسكرية، والتي فاقت كل التصورات، ولم تقتصر على ميدان التحرير، رمز إسقاط النظام السابق؛ بل شملت محافظات ومدناً مصرية كبرى بل وقرى ونجوع نائية، في مشهد اختزل كم الغضب والإحباط الشعبي من سياسات أول رئيس مدني منتخب، ولكن إرهاصات هذا المشهد أعمق وأبعد بكثير من مجرد السؤال المتمحور حول بقاء الرئيس محمد مرسي أو رحيله على وقع الاحتجاجات الشعبية المدوية، وهي انعكاسات تتجاوز حدود جغرافيا وتاريخ مصر إلى المنطقة العربية لتغير مفاهيم بناها واقعٌ سياسيٌ دام قرابة الثمانين عاماً استناداً إلى نظريات الإسلام السياسي بكل مراحله، والتي انتقلت من الفكرة إلى التطبيق ومن التنظيم إلى العمل الحركي ثم مرحلة الصدام مع الأنظمة، وانتهاج العنف والتفخيخ والاغتيالات قبل التراجع عن هذه الخطوات والانصهار في بوتقة النظم القائمة والانخراط في العمل السياسي من خلال المشاركة البرلمانية والنقابية والتحرك في الشارع لبناء قاعدة اجتماعية تعتمد على التوسل بالدعوة الإسلامية كقيمة مجتمعية معتبرة لإيصال فكرة التنظيم برسالته العالمية.
لذلك فإن ما حدث ويحدث في مصر لا يمس الإخوان المسلمين وحدهم؛ بل جميع حركات الإسلام السياسي من المحيط إلى الخليج ممن صعد نجمهم خلال العقد الماضي، مستندين إلى قاعدة شعبية رفعت شعارات الإسلام، الذي هو وبلا منازع أعلى قيمة مجتمعية وروحية في المنطقة.
فسنوات من الممارسة السياسية من خلال (البرلمانات الملتحية) في كثير من الدول العربية؛ كشفت خللاً كبيراً في الممارسة السياسية، لكن حجم الضرر الذي تسببت فيه سنة واحدة من حكم الإخوان المسلمين لمصر وتونس كانت كفيلة بنسف جهود استمرت عقوداً لتحقيق حلم الوصول إلى سدة الحكم.
سنة واحدة كانت كفيلة بتعريض التنظيم الذي امتهن العمل السري، وعاش سنوات تحت الأقبية، لأنوار كاشفة قوية وساطعة كشفت عيوباً بنيوية وممارسات قمعية وانتهازية وبرغماتية صادمة، قادت جموع المصريين، الذين هم بطبيعتهم شعب متدين، إلى الشوارع والميادين ليعلنوا موقفاً رافضاً للقمع والاستحواذ والتفرد وإقصاء المخالفين تحت أي شعار، حتى لو كان الدين.
بعد خروج كل هذه الجموع المليونية لتقول كلمتها؛ ليس مهماً أن يبقى الرئيس محمد مرسي ليستكمل مدته الرئاسية حتى 2016 كما يصر أتباعه ومريدوه، أو يرحل كما يبتغي معارضوه الذين ليسوا نخباً سياسية فشلت في قيادة المرحلة وإعلامية تؤدي رسالة يمكن الاتفاق أو الاختلاف معها دون تخوين، وليسوا فلولاً للنظام السابق، وليسوا عملاء لأنظمة خارجية كما يروج البعض، بل هم أبناء مصر الذين اسقطوا حكماً ديكتاتورياً استمر 30 عاماً، وهم أبناء أبطال نصر أكتوبر المجيد، وهم ذاتهم أحفاد من حرروا مصر من الاستعمار وحفروا قناة السويس وبنوا السد العالي، وهم أبناء مصر الذين حملوا مشاعل العلم والفكر والثقافة والفن، وكانوا دوماً سنداً لكل قضايا الأمة.
أي كانت النتيجة فإن يوم 30/6 سيسجله التاريخ كبداية لتحول كبير يطوي مرحلياً تجربة الإسلام السياسي، ويؤرخ لممارسة مدنية تحترم عقلية الشعوب التي أثبتت أن خداعها ليس أمراً سهلاً.
ورق أبيض..
يبدو أن بوصلة قناة «الجزيرة» انحرفت من جديد، بعد أن كانت الأمل لبناء فكرة إعلامية رائدة، ليس في المنطقة فحسب بل والعالم، ومرة أخرى تتعامى «الجزيرة» عن ملايين المصريين الذين خرجوا للشوارع والميادين مطالبين بالتخلص من حكم الإخوان، لتسلط كاميراتها على أحداث البرازيل وأمريكا اللاتينية!!