الرأي

هل عرفتم حكاية «الصفر»؟

أبيض وأسود

تصعد اليوم في أوروبا قوتان كبيرتان، ذلك أن هاتين الدولتين تركزان على الاقتصاد، وقيم العمل، والعدالة والتنمية، والصناعة، والسياحة، بمعنى آخر، لدى الدولتين اقتصاد شبه متكامل وعمل دؤوب. تركيا وألمانيا؛ تشكلان اليوم حالة نهوض أوروبية وسط اقتصادات متعثرة على دول حوض المتوسط، اليونان، وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال، وغيرها بما فيها بريطانيا، ولكن بشكل أقل، كلها دول تعاني من انهيارات اقتصادية.
البعض أيضاً فسر وصول فريقين ألمانيين إلى نهائي بطولة كأس أوروبا على أن الدولة صاحبة الاقتصاد القوي هي التي بها أندية قوية غير مدينة كبايرن ميونخ مثلاً، لذلك يمتلك البايرن القدرة على الاستمرارية وعقد صفقات كبيرة لأنه ليس مديناً.
كذلك تركيا التي سددت كل ديونها، وستقرض صندوق النقد 5 مليارات دولار قريباً، وهو ذات رقم الديون البحرينية، ولكننا دولة صغيرة، وهذه الديون ليس لها إلا تفسير واحد؛ أعرفه وتعرفونه..!
لا ينهض الاقتصاد دون شفافية ومحاسبة ومبدأ الثواب والعقاب، كما إن الاقتصاد لا ينهض دون أيادٍ نظيفة تعمل لبلدها، ولا تعمل لنفسها.
عرجت على ألمانيا وتركيا دون أن أدري، لكن ذلك كان لسبب؛ وهو أن جزءاً مما نعانيه تعاني منه الدول الأوروبية المتعثرة اقتصادياً، وقد جاء التعريج لذلك.
أذهب الآن إلى ما تنشره الصحافة العالمية حول شبهات معينة في صفقات أجرتها شركة اتصالات بحرينية، ويبدو أن هناك أمراً ما يحدث، لا نستطيع أن نصرح به حتى وإن كنا نملك بعض المعومات قبل أن نتأكد منها، لكن استقالات حدثت في الشركة جعلت الرأي العام يتساءل ماذا يحدث، وهل ما ينشر عالمياً صحيح حول الشبهات في الصفقات، أم أن هذه الشركة ستنفي الخبر جملة وتفصيلاً كما تفعل وزارات بعينها حين تنفي كل شيء ينشر عنها؟
أتذكرون مقال (اعطوني الميزانية واجيب لكم أحلى زيادة)؛ في ذلك المقال كتبت في مقدمته أن المواطن قد يقبل أن يبقى 4 أعوام دون زيادة في الراتب، لكن لا يتقبل أن يشاهد ويسمع ويقرأ عن قضايا الفساد المليونية بينما نقول للمواطن (هناك عجز، اربط الحجر على بطنك، أنت ما عندك إحساس، الدولة مديونة)..!
ليس بعيداً عما نقرأ حول شركة اتصالات مملوكة للدولة، فقد جمعني حديث مؤخراً مع بعض المطلعين على بواطن الأمور في وزارة الصحة، وتطرقنا إلى موضوع المبالغ الكبيرة التي تنفقها الدولة لشراء الدواء، وهي مبالغ ربما تكفي لسكان القاهرة وضواحيها، وليس لدولة صغيرة مثلنا.
فقال الذي يطلع على بعض الأمور في وزارة الصحة كلاماً للمرة الأولى أعرفه، قد يعرفه القارئ قبلي، لكني أعرفه للمرة الأولى، فسألني الرجل: هل تعرف حكاية الصفر، قلت: له الصفر..؟؟
قال: نعم الصفر..!
قلت: ما هي حكاية الصفر (وقد رجوته ألا يثقل علي بالأرقام فأنا من الذين دخلوا قسم الأدبي هرباً من الرياضيات)..!
قال: هناك مافيا الأدوية في الوزارة كما كتبت أنت، وسوف أخبرك بالصفر الآن؛ فإذا كانت هناك الحاجة إلى استيراد دواء معين للوزارة، وكانت قيمة الدواء 50 ألف دينار (مثلاً) فإن مافيا الدواء تستخدم شطارة (الصفر) فتضيف صفراً على الرقم على اعتبار أن الدواء مطلوب بشدة في البحرين، وقد يحدث نقص فيه (هكذا يقال للمسؤولين) فيصبح الرقم (500 ألف) بدل 50 ألفاً، فقط أُضيف صفر على الرقم..!
فقلت له: هل أنت تقول الحقيقة، قال: هذا الكلام منذ سنوات طويلة، ويبدو أن هناك من يعرف لكنه لا يحرك ساكناً، وكل وزير يأتي يقال له إن هذا الدواء هام للبحرين وحتى لا يصبح نقص الدواء قضية رأي عام، يوافق الوزير خوفاً من نقص الدواء والصحافة. كما إن مافيا الدواء لها أذرع إعلامية؛ فهناك صحيفة الخيانة الوطنية التي تروج وتنشر في صدر صفحاتها أن هناك نقصاً في الدواء الفلاني، ويكون ذلك بإيعاز من مافيا الدواء، فتذهب الوزارة لشراء الدواء من الخارج وقد يكون متوفراً أصلاً في المخازن، أو تم تهريبه إلى أماكن، أو بيعه إلى عيادات ومستشفيات خاصة. كما أن هناك صحافيات وصحافيين في صحف أخرى يقال لهم انشروا خبراً أن هناك نقصاً في هذا الدواء، فتنشر الصحيفة كونه خبراً عادياً ويهم الناس، لكن اللعبة هي أن يتم عقد صفقات أخرى ويتم وضع صفر آخر على صفقة جديدة..!
هذا في موضوع محدد فقط وهو الدواء في وزارة الصحة، فما بالكم في موضوع (الصفر) في وزارات أخرى لديها أعمال (مليونية) فكم (صفر) تم وضعه لإيهام الناس أن المشاريع لدعم البنية التحتية.. (ذبحتنا هالبنية التحتية، الكل يراكض وراها)..!
هل عرفت ماذا فعل بنا الصفر؟.. لا نعلم ربما الدين العام كله، إنما هو مشكلة (أصفار).. وعلى ما يقول إخوتنا المصريون الحسابة بتحسب..!
تركيا وألمانيا صعدوا حينما قلموا أصابع الفساد، وفعلوا الثواب والعقاب، الفساد هو الذي يجعل الدول تتعثر، لا يوجد بلد خالٍ من الفساد، لكن هناك بلد به 90% فساد، وهناك بلد به 10%، وهذا هو الذي يجعل الدولة تصعد، أو تذهب إلى الهاوية.
هذه هي حكاية (الصفر)، فما بالكم لو كان رقماً..؟!