الرأي

سباق الوفود الأجنبية والخليجية في مصر

سباق الوفود الأجنبية والخليجية في مصر

ما الذي يجعل مصر حالياً تختلف عن متصرفية جبل لبنان حين كان قناصل الدول الأجنبية يتدخلون في شؤونها الداخلية والخارجية، مستغلين كل ثغرة بسبب خلافات اللبنانيين أنفسهم وخلافاتهم مع الدولة العثمانية؟ الفرق هو 152 عاماً فقط.
حيث إن من المؤلم أن نرى تسابق الوفود الأجنبية للقاهرة بحجة إخراجها من محنتها السياسية، ومؤلم أن يصل إلى هذه النتيجة من يحب مصر القوية، مصر جمال عبدالناصر الذي أخرج الاستعمار، ليس من الوطن العربي فحسب، بل من العالم الثالث أيضاً، وهو مؤلم لمن أعجب بالسادات الذي جعل قائد اللواء 190 مدرع الإسرائيلي عساف ياجوري يخرج من دبابته في غبار سيناء مستسلماً للنقيب يسري عمارة أمام عدسات التلفزيون ليؤدي له النقيب التحية، ثم يقوده بعد ذلك لذل معسكرات الأسر.
سباق الوفود الأجنبية المؤلم للقاهرة لا يختلف كثيراً عن تدخل القناصل في عهد متصرفية جبل لبنان 1861-1918م، والذي كان سيستمر أطول من ستين عاماً لولا وفاة رجل أوروبا المريض وسقوط الدولة العثمانية. لقد استغلت الدول الأوروبية الفتنة اللبنانية 1860م فضغطت على من يدير الأمور، وهو السلطان العثماني المرتبك الضعيف، لتفرض رأيها في تفاصيل نظام الحكم في لبنان. فما الذي تغير بين حال لبنان وحال مصر حالياً؟
فالدول الأوروبية العظمى الست كانت؛ بريطانيا وفرنسا وبروسيا وروسيا والنمسا وإيطاليا، تدخلت آنذاك ونصفها يتدخل حالياً، فهل نحن بانتظار إعلان الانتداب الأمريكي المستتر، كما تم إعلان الانتداب الفرنسي آنذاك لينهي حالة الفوضى السياسية.
قد لا يكون الأمر بنفس درجة الخطورة، لكن صانع القرار الغربي ملم بتفاصيل المشهد المصري ويقرأ تاريخ المنطقة بتمعن شديد، فإذا كان عهد التنظيمات الإدارية التي بدأها السلطان عبدالمجيد الأول قد جاءت بضغوط غربية، وكانت نتائجها محاصصة دينية لهيكل الحكم في لبنان بعهد المتصرفية فلن تخرج عن نفس الفكرة في مصر بحيث تعطي حصة للإخوان وحصة للعسكر، ومثلهم حصة السلف والأقباط والعلمانيين والفلول وحصة للبلطجية، وربما حصة لمن يمثل أبناء شهداء موقعة الجمل.
إن سباق الوفود الأجنبية على مصر قائم لا مجال لإنكاره، وهناك الكثير من المؤشرات التي تثير قلق المراقب ومنها:
- إن أهمية مصر الجيوستراتيجية لم تتغير، بل في ازدياد مع الجيرة الإسرائيلية وجيرة حماس، مع ضغط منسق موازٍ لضغط مياه النيل على سد النهضة في إثيوبيا.
- إن تدخل واشنطن وأوروبا بهذا الزخم، بحجة حل الأزمة السياسية بمصر، يؤكد حالة الفراغ الداخلي الذي سيغري كل ذي مخلب وناب، حيث ستدفع روسيا والصين للتدخل أيضاً.
- لقد ظهر حجم الفراغ من خريطة انتشاره التي رسمتها تحركات الموفدين الدوليين داخل القاهرة، حيث تعدت زيارة المندوبين الأجانب رئاسة الجمهورية والدفاع والخارجية لتشمل الإخوان والكنيسة القبطية والأزهر، وستصل عشوائيات القاهرة.
- لقد كشفت زيارات المندوبين الأجانب ضعف القوى السياسية المصرية التي فشلت في طرح مشروع للخروج من الأزمة، مما يجعلنا في حال من العتب حين نصفها بأنها قوى خلق أزمات وفوضى ومظاهرات وحشود لا قوى حلول.
- لعل ما يؤلم المراقب حقاً هو التنازل عن السيادة المصرية بهذه السهولة، رغم مرور ظروف أصعب من الحالية على عصور ناصر وأنور ومبارك، واحتفاظ مؤسسات الحكم آنذاك بخط السيادة كخط لا تراجع بعده رغم ضغوط الحروب وأزمات البنك الدولي والقمح والمعونات العسكرية.
- لم يزر المندوبون الدوليون القاهرة لتقديم النصائح فحسب، بل تقديمها مغلفة بدبلوماسية الإغراء والتهديد وما لها من تبعات.
حين تعجز الإدارة الحالية في مصر عن امتلاك الدراية لخلق أدوات ضغط على مواطنين مصريين بميدان رابعة العدوية، سواء بالمغريات أو بالحلول أو بالوعود، يصبح من الواضح أن التدخل الخارجي والوساطة الدولية مطلب ملح للحيلولة دون استخدام هذه الإدارة للعنف لتفريق المعارضين من الإخوان أو من الذين لم يرقَ لهم هتك الشرعية أو عودة الانقلابات لمصر.
وبما أن دول الخليج أولى من الغرب لمد يد المساعدة لمصر؛ فالأجدى في هذه الظروف هو مبادرة خليجية ذات مراحل للوصول بمصر لبر الأمان، وستسند هذه المبادرة الخليجية أمور عدة لعل أولها إبعاد شبح التدخل الأجنبي وتحويلها لمتصرفية لقناصل كل يساند مجموعة، إضافة إلى أن دول الخليج قد أبدت حسن النية قبل شهر، فتقديراً لظروف مصر الاقتصادية الصعبة التي قد تقودها لمنحدر الدولة الفاشلة بدين غربي واجب السداد، واحتياطي من العملة الصعبة لا يكفي إلا لثلاثة أشهر، إضافة إلى التضخم والعاطلين وأزمات الوقود قامت دول الخليج بدعم الاقتصاد المصري، وليست بعاجزة الآن عن دعم العملية السياسية الراهنة هناك كما دعمت الاقتصادية، ولعل أهم مكسب لنا في الخليج هو خلق جيل من صناع القرار الخطائين التوابين استراتيجياً.. فما أحوجنا لهم.