الرأي

كيف رحل شوارسكوف ولم يحمل وسام تحرير الكويت!

كيف رحل شوارسكوف ولم يحمل وسام تحرير الكويت!

تنتابني حالة من الشعورالحاد بالفخر حين أقابل عسكري أجنبي وأجد بين الأوسمة التي يحملها وسام تحرير الكويت، المصمم بذكاء على شكل علم الكويت حتى تسهل ملاحظته. ولم أجد ولو لمرة واحدة أنني بحاجة للمبررات الكلاسيكية لفتح الحوار معه طالما يحمل علم بلادي فوق قلبه. بل أندفع بجره معي للقفز في نهر ذكريات حرب تحرير الكويت، وقصف سكود والرعب من الكيماوي، والأمطار الزيتية ثم خطة الخطاف الأيسر «Left Hook» التي أبدعها الجنرال نورمان شوارسكوف كأكبر عملية إحاطة في التاريخ العسكري الحديث.
لقد صعقت حين اكتشفت أن شوارسكوف لم يكن يحمل وسام تحرير الكويت، في عشرات الصور التي استعرضتها يوم وفاته، ولم أجد الوسام ضمن الأوسمة في سيرته الشخصية، بالرغم من حصوله على أوسمة فيتنام وبريطانيا وفرنسا. فهل رفض أن يستلم وسام تحرير البلد الذي قاد عملية تحريره؟! أم نسينا أن نعطي قائد العملية الوسام في خضم الارتباك بعد التحرير؟!
اتصلت بمن كان في موقع المسؤولية آنذاك، فقال ضابط متقاعد: لا يمكن أن نغفل شوارسكوف ولا يمكن أن يرفض الوسام، فقد شاهدته كعسكري يوم التحرير يضع رمل الشاطئ في قنينة للذكرى.ثم استقبلته كمدني وهو يقابل المغفور له الشيخ جابر الأحمد ليكرمه بحفاوة بالغة. بينما طرح ضابط آخر احتمال أن يكون حصوله على» قلادة مبارك الكبير» مانعاً لحمل الوسام لأنها أعلى منه. ثم وجدت الجواب عند من كان مسؤولاً عن توزيع وسام التحرير فقال العميد المتقاعد: لم يرفض الجنرال شوراسكوف الوسام، لكن حكومة الولايات المتحدة هي من رفضت أن يرتدي جنودها 45 ألف وسام أرسلناها لهم.
فما هو هذا الوسام الذي رفض، ليس من قبل الأمريكيين فحسب، بل ومن دول أخرى شاركت في الحرب؟
في 4 يناير 1992 صدر مرسوم بالقانون رقم 1/92 لإضافــة مادة جديدة إلى القانون رقم 17 لسنة 1962 في شأن الأوسمة والأنواط العسكرية، وفيه «بشأن وسام عسكري باسم (وسام تحرير الكويت) ويمنح لمن قام من العسكريين أو المدنيين بأعمال جليلة أو أظهر شجاعة فائقة أسهمت في تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم على أن يجوز منحه لعلم وحدة عسكرية أسهمت بشكل مميز وفعال في تحرير الكويت». والوسام مكون من خمس درجات تعطى أعلاها للضباط الأمراء، ثم للقادة، ثم الأعوان، ثم للأفراد من غير الضباط، كما يعطى للمدنيين.
لقد رفض «البنتاغون» الامريكي إصدار قرار يسمح للضباط والجنود الامريكيين بحمله لكونه ينقسم الى درجات تفرق بين الجندي والضابط. و في العرف الامريكي لا يجوز أن يفصل في التقدير بين العريف والجنرال فكلهم سواء أمام تقدير العمل المميز، وليس هناك أوسمة أمريكية للضباط وأخرى للجنود. فالكل سواسية مثلا في حمل وسام القلب الأرجواني «Purple Heart» وهو وسام الشجاعة. وقد يقول قائل إننا حاليا نرى وسام تحرير الكويت مع بعض العسكريين الأمريكيين فكيف حملوه وهو ممنوع عليهم؟ والجواب هو أن رئاسة الأركان الكويتية بعثت بكتاب الأوسمة في 16 يوليو 1994 وجاء الرد من وزير الدفاع الأمريكي وليم بيري بقبول الوسام في 16 مارس 1995 للاحتفاظ به كذكرى «Keepsake»ومنع لبسه، وهو أمر فعلته أستراليا وبريطانيا وكندا. ووافقت فرنسا أن يرتديه العسكر الفرنسيون. وبعد الحرب بسنوات قامت دول عدة بإصدار أوسمة لقواتها المشاركة بدرع وعاصفة الصحراء وسمته «وسام تحرير الكويت» بل إن بعضها أخذ شكل الوسام الكويتي نفسه. ومنها الأرجنتين، وأستراليا، والبحرين، وكندا، ومصر، وإيطاليا، والسعودية، والإمارات، والمملكة المتحدة. ووضعه الجنود على صدورهم، أما الولايات المتحدة فعادت وقبلت فقط الوسام من الدرجة الخامسة الذي يسمح للجميع بحمله. لكن نورمان شوارسكوف كان قد «سلم العهدة» ولم يكن بإمكانه حمله فقد تقاعد في أغسطس 1991 قبل صدور الوسام بأربعة أعوام.
وهذا يفتح الباب لأسئلة مهمة تتعلق بمدى عدالة ودستورية التفريق بين رتب العسكريين الأفراد والضباط في الأوسمة والأنواط، ليس في الكويت فحسب بل في جميع دول مجلس التعاون. حيث نرى ضابطاً شاباً يحمل من الأوسمة والأنواط أكثر من وكيل ضابط خدم أكثر من 30 عاماً. كما يختلف التقدير المادي بين الأفراد والضباط لنفس الوسام والنوط. وهناك تفرقة في منح الأوسمة بين العسكريين والمدنيين الذين قاموا بنفس الأعمال الجليلة. مما يجعل من الضروري تضمين قوانين الأوسمة والأنواط مواد تحقق العداله وتجعل حملها لاينتهي بانتهاء الخدمة العسكرية، وأن يعطي حاملها ميزات تجعل للوسام أو النوط معنى. ويكون هناك اجتهاد في الحصول عليها كالبدلات المادية والمعنويه. فهناك دول أصدرت قوانين تلزم المحاكم أن تحيل لرأس الدولة قائمة تتضمن أسماء المحكوم عليهم من حاملي الأوسمة والأنواط وله حق العفو عنهم. وتلك هي الدول التي تنتصر في المعارك، أما عسكر النكبات والثورات والانقلابات والرايات المنكسة والجيوش المهزومة فقد ورثنا منهم قوانين التفرقة غير المبررة والأوسمة غير المبررة أيضاً. لقد رحل الجنرال نورمان شوارسكوف ولم يحمل وسام تحرير الكويت، ولا وسام عاصفة الصحراء، ولا نوط المعركة السعودي، بسبب قرار بلاده، ثم لتقاعده قبل صدورها. فهل يكون ذلك دافعاً لتعديل ما يحقق عدالة توزيع الأوسمه والأنواط في دول مجلس التعاون خصوصاً أننا مقبلون على توحيد الكثير من هياكل التعاون العسكري؟