الرأي

المفاتن الإيرانية.. ما بين السيوف الروسية وغواية الـ «Cowboy»

نبضات

آآآه من تلك الفاتنة.. لطالما أغرت كثيرين كما أسلفنا، ومنذ أمد بعيد.. ولذلك كانت إيران جاذباً للقوى الغربية التي تناحرت على أراضيها. ويكشف لنا التاريخ مفاتن إيران التي أسالت اللعاب لنيلها، فجمالها الطاغي أركع ألمانيا، وأخرج سيوف روسيا وبريطانيا من غمدها، فيما غازلها راعي البقر الأمريكي «cowboy» فوق صهوة حصانه حتى خيل إليها أنه فارسها المنتظر؛ فاستقبلته بالحرير والمخمل واللؤلؤ والمسك.
روسيا.. وصمة في التاريخ الإيراني لا يمكن زوالها، منذ القرن التاسع عشر، حيث مدت أذرعها في الداخل الإيراني في تأرجح ما بين الاتحاد والتنافس مع بريطانيا، حسبما تقتضيه ظروف المشهد السياسي على الساحة الإيرانية، وحسبما تقتضيه مصالح كل منهما، لاسيما عندما يتعلق الأمر بألمانيا «الهتلرية» التي كانت سبباً في اتحادهما لأكثر من مرة.
وكانت روسيا رغم ذلك تجد نفسها الأحق بإيران من بريطانيا، نظراً لعدة عوامل؛ منها أن بريطانيا كانت قد استعمرت الهند وبعض الدول الأخرى، فيما ركزت روسيا نظرها على إيران، نظراً لما تمتلكه الأخيرة من مفاتن لا يمكن مقاومتها، لاسيما بالنسبة لروسيا حيث القرب الجغرافي والحدود المشتركة بينهما، ناهيك عن جغرافية إيران وموقعها الاستراتيجي بما يمنح روسيا نظرة بعيدة لنيل المياه الدافئة، وخصوصاً مياه الخليج العربي. ولم تكتفِ روسيا بمثل هذه المطامع وحسب، وإنما كانت تطمح لتمكينها من بحر قزوين وثروته السمكية، ناهيك عن البترول في الشمال الإيراني.
رغم استمرار النزاع والتناحر بين روسيا وبريطانيا، إلا أن النصر الأخير كان حليفاً للأولى، ما أقلق راعي البقر الأمريكي، فحمل أمتعته متزيناً؛ ليبدو كما الفارس النبيل، وامتطى صهوة جواده متجهاً نحو إيران؛ لينقذ سيندريلاه الفاتنة من زوجة أبيها الملعونة «روسيا». ولعل أكثر ما أغرى راعي البقر في سيندريلا إيران الفاتنة أنها فرصة جديدة سائغة لتنفيذ مشروع «ترومان» «حصر الشيوعية في أماكنها»، والتي أشرنا إليها عند الحديث عن العلاقات التركية الأمريكية في مقالات سابقة.
وقد افتتنت إيران بفارسها «النبيل» ما دعاها لفرش الأرض والسرر بالحرير والمخمل، ودعوته بـ»هيت لك»!! حتى غدت في مرحلة ما.. بوابة الغرب للشرق الأوسط.!!
ما يعنينا من ذلك كله.. العلاقات الروسية الإيرانية، التي أُعيدت بعدما أغوى راعي البقر فاتنته، فولت الفرار مجدداً للملعونة زوجة أبيها «روسيا»، والتي هي بمثابة طوق النجاة لها من الشيطان الأكبر الذي أغراها بفاحشة حرب الخليج الأولى وكثير من الفواحش الأخرى.
أما روسيا.. فرغم أطماعها، إلا أن علاقات نفعية متبادلة تجمع بينها وبين إيران؛ وبهذا.. عادت إيران أدراجها بحلةٍ جديدةٍ حمراء، تكشف عن مفاتنها النفطية، ورغم أن روسيا ليست بحاجة للنفط لكونها تملك منه ما جعلها تعتمد على صادراته في المرتبة الأولى من دخلها القومي، إلا أنها وجدت في التعري الإيراني والكشف عن المفاتن النفطية، إغراء آخر يثير شهيتها لتشغيل مستثمريها في ذات الميدان على الأراضي الإيرانية، لاستكشاف النفط وإنتاجه وصناعته وتطويره. وهو ما عملت روسيا عليه بشكل مكثف في السنوات الأخيرة، كما أوردنا في المقال السابق.
إيران.. لم تعد لأحضان روسيا ثقةً بها ولا شغفاً، وإنما من أجل الاحتماء بها من الشيطان الأكبر الذي يقودها إلى التهلكة، وهو ما دعا روسيا لاقتناص الفرص، وتفعيل الاستثمار، معززةً ذلك دعم إيران دولياً، عبر الوقوف ضد قرار فرض العقوبات عليها، لاسيما في ظل العزلة التي فرضها عليها ذلك الشيطان.
وبالمناسبة.. فإن مما شجع على هذا التعاون المشترك، تلك العلاقة الروسية الفاترة مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد بوش الابن. ولكن.. يبدو أن بحلول فصل الصيف بدأت العلاقات الروسية الأمريكية تدفأ من جديد في عهد أوباما.!! ورغم ذلك.. فإن العلاقات النفعية بين روسيا وإيران قائمة. فإلى أي مدى ستوازن روسيا بين الكفتين؟ وما هو الدور الذي تلعبه بقية القوى الجديدة في الساحة، والتي وثقت عرى الصداقة والود بينها وبين إيران؟ هذا ما ستكشفه المقالات القادمة إن شاء الله.