الرأي

هوس الحرائق

نبضات

تصاعد حجم انتشار ظاهرة الحرق في البحرين في الآونة الأخيرة بصورة ملفتة، وتعددت الأسباب في تحليلها، ولعلها أشبعت نقاشاً وتحليلاً على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي فضلاً عن بعض من التحليلات التي تناولت الجانب البيئي، وما يترتب على الحرق من أضرار وخيمة على البيئة، ومنها على صحة الإنسان، فيما أغفل أحد أهم الجوانب الأكثر خطراً وهو الجانب النفسي!!
صحيح أن هناك عوامل سياسية محركة لبعض المخربين والإرهابيين في الشوارع لممارسة أعمالهم المشينة، ولكن مرجعها لا يقتصر على الاضطراب السياسي الحاصل والمتزامن مع أحداث «الربيع العربي» في المنطقة. وفي مراجعة تاريخية لبعض الأخبار المتعلقة بهذا الشأن، لعلنا نجد نماذج واضحة في سنوات سبقت «الربيع العربي»، زاخرة بصنوف الحرق في الطرقات والممتلكات في البحرين، فضلاً عن كثير من النماذج العالمية والقصص المثيرة. ولعل من الأمثلة الناجعة للحرق المتعمد، جانب من أحداث بريطانيا 2011، وحريق متعمد تعرضت له بعض منشآت كاليفورنيا قبل سنوات وكذلك روسيا. ونظراً لعدم اتساع مساحة المقال لاستعراض مزيد من النماذج، فلا ضير من الاستعانة بالصديق «google»، والذي سيمنحنا كماً من النماذج والمعلومات حول الموضوع.
نتناول في هذا المقال نماذج الحرق المتمثلة في الإطارات والممتلكات وقطع الطرق، إذ يطلق على هذا الحرق العمدي في علم النفس «هوس الحرائق، pyromania‏»، وهو اضطراب نفسي يتميز باندفاع وانبهار شديدين لإشعال النار، بل والشعور بالإثارة الجنسية أحياناً لاشتعالها، فضلاً عن تحقيقها الشعور بالنصر، والتفرد لدى المصاب، الأمر الذي يبرر توثيق هؤلاء لإشعالهم الحريق بالصور، ونشرها عبر قنوات ووسائل مختلفة لتصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس، ما يمنحهم شعوراً بالتميز والبطولة.
ويوصف اندفاع المريض النفسي إلى إضرام الحريق، كـ»متنفس للجهد الزائد الذي يحقق لصاحبه الارتياح النفسي ويرضي غريزته الشاذة».
ولطالما اعتبر مهووسو الحرائق مجرمين أو أشخاصاً يعانون من التخلف العقلي، حتى أواخر القرن الثامن عشر، ثم أرجع كل من «فريدريخ بنيامين أدسياندر» وتلميذه «كريستيان هاينرفيخ أدولف» هوس الحرائق إلى اضطراب سلوكي، فيما اعتبر الطبيب النفسي «شارل كريتيان هنري» ذلك ناتجاً عن مرض على مستوى الدماغ، وغالباً ما يتزامن مع اضطرابات تطور النضج الجنسي لدى المصابين والمتراوحة في الفترة من 12–20 سنة «أي فترة المراهقة».
وتعد هذه الحالة ضرباً من الهوس الأحادي والذي يجن بمقتضاه الإنسان بشيء واحد أو أشياء محددة فيما هو عاقل في بقية الأمور.
وتندرج هذه الفئة ضمن المجموعة المصابة بمرض «اضطراب الشخصية المضاد للمجتمع، antisocial personality»، إذ يزيدها استمتاعاً ليس إضرام النار وحسب، وإنما الاستمتاع بمنظر الحريق نفسه، والأروع من ذلك لديها عندما تكافح بعض الجهات الأمنية نيرانهم وتخريبهم بطرق مختلفة نحو إطلاق الغازات المسيلة للدموع وغيرها، لتضاعف الضرر على المجتمع، ففضلاً عن ضرر الحريق يزداد الأمر على الناس سوءاً بالتضرر بالمسيل للدموع، وهو ما يصبو إليه «المضاد للمجتمع»، فأكثر ما يستهويه ما من شأنه الإضرار بالمجتمع ومكوناته. ولهذا نجدهم يعرقلون الشوارع بحرق الإطارات وتعطيل مصالح الناس بل وتعريضهم لسموم الدخان المتصاعد من الحريق، ما يشبع غريزتهم الناقمة، ويثير فيهم شعوراً بالسعادة. ولعل ما يؤكد ذلك أنهم على مدى سنوات طويلة من الآن ومازالوا غالباً يشعلون الحريق في مناطقهم، من غير اكتراث بالأهل والجيران والأصحاب وغيرهم.
وقد شكلت هذه الفئة الصنف الذي يتصيده قادة الفوضى والإرهاب في البحرين، بغية تحقيق أهدافهم السياسية الدنيئة باستغلال الظرف النفسي الذي يعانيه المصاب، حيث يسهل اقتيادهم وتسييرهم بما يتماشى مع أهوائهم وميولهم العدائية. ومن الملاحظ أن هذه الفئة غالباً ما تكون من الفاشلين دراسياً، والهاربين أو المفصولين من المدارس، فضلاً عن بعض من حالات التفكك الأسري المحيطة بهم أو إدمان المخدرات والشذوذ الجنسي وغيرها.
ورغم أن المصاب يعد مريضاً نفسياً، لكنه لا يعد مجنوناً، بل هو كامل الأهلية والتكليف، وبالتالي يحاسب قانوناً على ممارسته الحرق العمدي، ومع ذلك فمن باب أولى إقرار العقوبة على مستغلي تلك الظروف النفسية لدى المصابين لتحقيق أغراض سياسية وتهديدات أو مخاطر أمنية.
برأيي.. فإن مثل هؤلاء لابد أن يتيقظوا لأنفسهم، وأن يخضعوا للعلاج النفسي اللازم في جمع منظم، ما بين الدواء والعلاج السلوكي للحالة، كما إن الدور ملقى أيضاً على الحكومة في مكافحة مثل هذا المرض الخبيث في المجتمع، ومحاولة اجتثاث المرض من جذوره، عبر القبض على هؤلاء وإخضاعهم للعلاج الإلزامي لسلامة المحيطين بهم، وحفظاً للأمن العام والسلام في مملكة السلام.
كما إن تعاون رجال الدين في هذا الجانب ودعوتهم للعلاج، والتحذير من استغلال هذه الفئة، سيكون له دور كبير في حل المشكلة.