الرأي

قوات «درع الجزيرة» خطوة للتكامل الخليجي

كدت ألوح لهم «بغترتي» فرحاً عندما قابلني رتل لقوات «درع الجزيرة» متجه للمشاركة في التمرين التاسع الذي يعقد حالياً في الكويت، لكنني خفت من ثقافة مجتمعي التي لا تتضمن استقبال القوات، وقد تصمني بمفردة «قاطع جادة»، وهي صفة أدنى بدرجات من «قاطع طريق»، بحكم أن الأولى لا تحتاج لشجاعة أو رأي سديد، بقدر ما تحتاج لجرعة تلقائية حادة، لقد حال دون تنفيذ رغبتي جيب الشرطة العسكرية الذي كان ينظم عبور القوات، مما أعطاني وقتاً لقراءة كلمة قائد الدرع اللواء مطلق الأزيمع، والتي ألقاها عنه الرائد فهد المطيري في 9 فبراير2013، حيث شدني اعتذاره إلى الشعب الكويتي «عما سببه التمرين من تعطيل في حركة المرور أثناء دخول القوات وحجز منطقة برية واسعة لأغراض التمرين»، فكيف يريدنا من يصف «الدرع» بـ «قوات الاحتلال» في البحرين أن نتعاطف معه، وننسى هذا اللطف من منظمة عسكرية يعيش منتسبوها على العنف والشدة نابذين الجبن والتراخي حين إنجازهم شرف الدفاع عن أمن الخليج؟!
ومن يسأل عن أبو نايف سيعرف أن اللطف الذي غلف كلماته هو تحقيق لصفة «An Officer and a Gentleman» ومرده أن قائد الدرع يحمل رتبة «لواء ركن شاعر» وفياً بذلك لصفات فرسان جزيرة العرب الأولين.
وبين معنى الشجاعة والتلقائية والجبن، وجدت أنه عند استرجاع اللحظة التأسيسية لمجلس التعاون في مايو 1980، نجد أن الشجاعة هي من دفع المؤسسين الأوائل لاتفاق الرأي وإعلان قيام المجلس دون تردد أو خوف من المحيط الإقليمي والدولي المكشر عن أنيابه آنذاك. فالرأيُ قَبلَ شجاعةِ الشجعانِ- هوَ أوّل وَهيَ المحلُّ الثّاني. ولا نتجاوز هنا حقيقة أن المرحوم الشيخ جابر الأحمد طرح الاقتصاد كمحرك للمجلس، لكنه وإخوانه رحمهم الله لم يشاوروا رجل أعمال أو تاجراً حتى يمتشق عصا الجدوى الاقتصادية، ويضعها في عجلة التعاون الخليجي، بل أعلنوا قيامه دون تردد لأن اللحظة التأسيسية كانت أمنية محضة وأثمن من أن تترك في يد تاجر أو سياسي.
لقد أظهرت محاولات التكامل الاقتصادي الخليجي في الثلاثين عاماً الماضية معدنه الأصلي وهو «الخوف» عكس التعاون العسكري الخليجي ذي المعدن القاسي. فرأس المال جبان، وأزمة اليونان الاقتصادية أعطت الذريعة للتردد الخليجي في قضية التكامل الاقتصادي، ولذلك مازالت العملة الموحدة والبنك المركزي وتقسيم ريع الجمرك عثرات تتطلب التضحية. لكنها تضحية لن يقوم بها من ميزانه الجدوى الاقتصادية فحسب، دون النظر للجوانب الأمنية والسياسية. فلماذا لا ننحي بالتكامل الاقتصادي جانباً ولو لمرحلة وجيزة ونعمل على إنجاز التكامل العسكري بين دول مجلس التعاون، ليكون العتبة التي توصلنا للوحدة المنشودة.
لم أحبذ أبداً الهتاف مع الحشود الكبيرة، لذا لم أردد معهم مقولة إن «معوقات التكامل العسكري الخليجي تحول دون تحقيق الأمن الجماعي المنشود»، بل إنني أزعم- متيقناً أنه حق - بيسر تجاوز معوقات التكامل العسكري مقارنة بمعوقات التكامل السياسي والاقتصادي، ومن تلك المعوقات:
-عدم تحديد مصدر التهديد بدرجة مربكة. بل إن بعض دول المجلس ترى الخطر في الخلافات الحدودية البينية، ولاتزال تكرره بين فينة وأخرى، لكنها لم تدمن هذا الطرح إدماناً لا شفاءَ منه. وبناء شعور خليجي موحد بالخطر هو الحل، وقد يعجل بخلقه مؤثر خارجي كما فعلت الحرب العراقية الإيرانية، واحتلال الكويت. ولعل في الطموح النووي الإيراني وعدم استقرار العملية السياسية في العراق والثورة السورية خير حافز.
- نقص القوة البشرية لبناء جيش موحد، ولتجاوز ذلك لابد من وضع حلول غير تقليدية منها فتح باب التطوع على مستوى دول الخليج للانضمام المباشر لدرع الجزيرة، بالإضافة لفرض التجنيد الإلزامي على شرائح معينة لسد النقص، وضرورة إشراك المرأة في أعمال غير قتالية بالجهد العسكري الخليجي.
- التمسك بمبدأ السيادة بدرجة مفرطة حتى أصبح تحقيق بعض متطلبات التعاون العسكري يعني إهدار السيادة لدول لديها إحساس حاد بعدم الثقة بالإخوة الخليجية، ولعل في تبعات الربيع العربي ما غير من هذا الإحساس.
- غياب سياسة تسلح موحدة، وهي معضلة يمكن جعلها ميزة باعتبار أن تنوع مصادر التسلح يلغي الاعتماد على مصدر واحد.
- ضعف الصلاحيات الممنوحة لدرع الجزيرة، وقد بدأ المجلس بخطوات لتلافي ذلك بوضع الاستراتيجية الدفاعية الموحدة، والقيادة المشتركة، مما يعني حرية العمل ضمن ضوابط هذه التنظيمات دون الحاجة لمراجعة صانع القرار السياسي في كل شاردة وواردة.
لقد جال بذهني وأنا أرى دخول قوات «درع الجزيرة» صدفة، حقيقة أن التاريخ اليوناني والروماني لم يوثق شيئاً كما وثق مهرجانات استقبال القوات، وهو نهج سارت عليه الحضارة الغربية المعاصرة. وباستثناء قصيدة «عرضة» وحيدة هنا وأخرى هناك نكررها في مناسباتنا حتى الملل. تخلو ثقافة مجتمعاتنا الخليجية من ما له علاقة باستقبال القوات. ومن يتذرع بقلة حروبنا، عليه أن ينظر ملياً في كل عقد مر على الخليج ليجد أنه لم يمر دون حرب أو حربين. وربما يعود غياب ثقافة الاحتفاء بدخول القوات الشقيقة والصديقة أننا جزء من ثقافة الرايات المنكسة والجيوش العربية المهزومة. لكن ذلك لا يمنع من أن نخلق ثقافة إيجابية جديدة، فاستقبال قوات «درع الجزيرة» هو استقبال لأبنائنا العاملين ضمنها، ووداعهم بحفاوة على المستوى الشعبي ليس رداً على من وصفهم في البحرين بـ «قوات الاحتلال» فحسب، بل تعميق للتكامل العسكري الذي نضع به أمن الخليج بالكامل في عهدة أبناء الخليج، ويكون خطوة نحو الوحدة الخليجية المنشودة .
المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج