الرأي

مالي وثقافة التدخل الخليجي المسلح في القضايا الإقليمية والدولية

مالي وثقافة التدخل الخليجي المسلح في القضايا الإقليمية والدولية

تكشف فجأة على غير ترتيب كم هائل من العقد حول إمكانية التدخل العسكري الإماراتي في مالي والذي وضعه البعض في ثوب خليجي كامل. وقد يبسط القضية التوقف عند ثقافة التدخل العسكري الخليجي في القضايا الإقليمية والدولية، وموجبات التدخل الإماراتي الحالي وتبعاته. فالحضور العسكري الخليجي في ثقافتنا العربية ليس قوياً، كما هو الحال في دول عربية أخرى، لكن القول بغياب ثقافة التدخل العسكري الخليجي وكأن ذلك طموح غير لائق لنا يعني قصوراً في الإلمام بتاريخنا العسكري.
فقد كان لواء اليرموك الكويتي القوة العربية الوحيدة التي تجرعت مع المصريين هزيمة 1967م من القنطرة إلى العريش وصولاً لرفح ثم العودة للإسماعيلية، بل إن الكويت هي الوحيدة التي بعثت جيشها لجبهتين في حرب واحدة فقد كانت قوة الجهراء على الجبهة السورية في حين بقي لواء اليرموك على القناة حتى نصر أكتوبر 1973م. كما شاركت الكويت بكتيبة في عملية إعادة الأمل بالصومال “UNOSOM”عام 1993.
وشارك الجيش السعودي في الحروب العربية الإسرائيلية منذ حرب فلسطين 1948م وكانت قواته في غزة والأردن وسوريا. كما شاركت جميع الجيوش الخليجية في حرب تحرير الكويت 1991. وفي سنوات لم تبتعد عنا كثيراً بدأ توسع عسكري إماراتي يستحق التنويه، حتى إن هناك من قال إنها أخذت منحى تعبوياً حين سجل معهد ستوكهولم للسلام إن الإمارات أصبحت ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم في 2009. وحتى لا يقال إن أبو ظبي فشلت في ترجمة المبلغ الضخم كقوة عسكرية فعالة، سجلت العسكرية الإماراتية أكبر حضور عربي في ساحات القتال الإقليمية والدولية خلال العقدين الماضيين. فقد زجت بخمس دفعات في لبنان ضمن قوات الردع العربية 1976م - 1979م. وفي 1993م شاركت في عملية إعادة الأمل بالصومال، وتكونت الدفعات الأربع التي أرسلتها حتى أبريل 1994م من قوة واجب “Task Force”.
ولمساعدة الشعب الكوسوفي المسلم شاركت الإمارات ضمن قوات “KFOR” مع حلف شمال الأطلسي ممثلة “بقوة صقر” والكتيبة 35 للمشاة المحمولة في عملية الأيادي البيضاء 1999م. ثم شاركت بمشروع “التضامن الإماراتي” لنزع الألغام من جنوب لبنان عام 2001 - 2003م. ثم أرسلت قوات إغاثة لباكستان خلال فيضانات 2010م، وشاركت مع قطر وحلف شمال الأطلسي في ليبيا 2011م. كما شاركت في عملية “رياح الخير” ضمن القوة الدولية للمساعدة الأمنية إيساف”ISAF” في أفغانستان.
وفي أبو ظبي طلب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قبل أسبوع الدعم لحملة “القط المتوحش” في مالي. وذكر أن الإمارات قد تقدم مساعدة إنسانية، مادية، مالية وربما عسكرية، مما يجبرنا على التفكير في أسباب تلك الدعوة وجدواها خليجيا والتي قد تضم:
- لا مكان لحسن النية وكرامة والاجتهاد؛ فالقضية قضية تبادل مصالح بينة، فالقاعدة البحرية الفرنسية في أبو ظبي كانت مصلحة إماراتية، وقد حل وقت دفع جزء من ثمنها. فمن القاعدة ستتوجه الطائرات والسفن والدعم للقوات الفرنسية في مالي.
- للتقليل من تعرض مواطنيها للتهديدات الإرهابية، وحتى يضيع دم الإرهاب بين القبائل تحتاج باريس لدعم دولي واسع.
- على حد قول وزير خارجية فرنسا “على الكل الالتزام في الحرب على الإرهاب” وبإدخال دول الخليج في الحرب في مالي سيتم بقوة وبشكل ممنهج وقف تجنيد الكوادر الجهادية هنا ووضعها في مواجهة دول الخليج.
- يعني الغطاء المالي الخليجي للفرنسيين وحلفائهم في مالي حرمان للجماعات الإسلامية المسلحة منه.
- يعد الدخول في مثل هذا الحشد العسكري الرابح عددياً المماثل لحشد حرب تحرير الكويت 1991م، وحرب إسقاط القذافي 2011م مكسباً للعسكرية الخليجية وفي مصلحة تدريبها وجاهزيتها، كما إن في ذلك تحطيماً للأقفال المقدسة المانعة للدول الصغرى من صنع التحولات الدولية.
أما تبعات المشاركة في الصراع في مالي فهي:
- كقاعدة مقدسة لا تتدخل دول الخليج في صراعات إلا في مرحلة استثنائية ولوقت محدد. فبموجب قرار مجلس الأمن تم إرسال 3300 جندي تحت مسمى «ميسما»، و900 من نيجيريا، و500 من كل من النيجر وبوركينا فاسو وتوغو والسنغال. و300 جندي من كل من بنين وغينيا وغانا. وسترسل بريطانيا وكندا ناقلات جند. وواشنطن دعم لوجستي واستخباراتي. وطائرتي C130 ومروحية ومعدات طبية من بلجيكا. ودعم لوجستي ألماني، كما سمحت الجزائر والمغرب للطائرات بضرب أهداف في مالي عبر أجوائها. فكيف حطم دوران المتوالية التبريرية الغربية قاعدتنا المقدسة؛ فهل هناك حاجة فعلية للعسكري الخليجي وأين الاستثنائية والوقت المحدد في عملية بهذا الحجم!
- لا يمكن الاستهانة بالقوة العسكرية للخصم أو تهديداته الإرهابية؛ حيث تضم تلك القوة جماعة أنصار الدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وكتيبة أنصار الشريعة والملثمون وكتيبة الموقعون بالدماء. ولعل احتلالهم مدناً كبرى مثل تمبكتو وغاو وكيدال وهي نصف مساحة مالي خير دليل على قوتهم. وعليه لن تكون مشاركة الخليجيين كنزهة حرب البلقان.
- قد تكون القدرة التخريبية للنعمة المادية هي من أغوى الخليجيين بالقيام بدور ليسوا مؤهلين له حتى الآن، وقد يكون النجاح بالدور السياسي في الربيع العربي قد أغواهم لدور عسكري. فضيعوا مخرج عدم الوقوع في المستنقع المالي وهما عدم وضوح الأساس القانونى للتدخل. ودعوة الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي لوقف النار واعتباره العمل العسكري في دولة عضو بالمنظمة سابق لأوانه.
- بررت فرنسا تدخلها بطلب الرئيس المالي، وبالقرار الأممي، وحددت أهدافها المعلنة بأنها لوقف الاعتداء الإرهابي وتأمين العاصمة ووحدة الأراضي المالية. فأين مصلحتنا من أهداف باريس. بينما توارت المصالح الفرنسية في تلك المنطقة الغنية باليورانيوم، والنفط والغاز في بلد يعد الثالث في إنتاج الذهب في أفريقيا. فالحرب لم يوضع لها بند في ميزانية باريس، فوضعها صانع القرار الفرنسي في فائض ميزانية دول الخليج وأرباح صناديقنا السيادية. وتلك هي فرنسا التي لم تبعنا الميراج إلا بشرط شراء الايرباص.
في عملية القط المتوحش عرضت أميركا الجهد الاستخباري، ولعل تبادل للمعلومات والاستفادة من الخبرات الخليجية في خنق تمويل الجماعات الإرهابية أثمن لباريس مما عرضته واشنطن، فلدينا مدرسة نجحت في طردهم من الخليج والجزيرة لجبال اليمن وهي الأفضل لنا ولفرنسا.