الرأي

جدل الاعتذار الإسرائيلي.. مباراة تركية إيرانية على الأراضي الخليجية

نبضات

لطالما كانت تركيا -في تاريخها- بمثابة قاعدة الارتكاز الحقيقية لتوجيه وتنفيذ السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، لاسيما عقب قيام دولة إسرائيل، وفي ظل احتفاظ بريطانيا بالجزء الأكبر من الدول العربية والخليج -آنذاك، خصوصاً بعد ظهور النفط، ما جعل من التمركز الأمريكي في تركيا ضرورة قصوى، تستحق الدعم اللوجستي.
ثم ما لبثت أن جاءت التفاعلات التركية الإسرائيلية متجهةً نحو استراتيجية القطب الواحد، من أجل تعظيم مقدرات تركيا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. وسرعان ما أبرمت الاتفاقيات بين الطرفين من أجل تعاون ثنائي مشترك في «مكافحة الإرهاب» وفي الاتصالات، وتطور الأمر لاحتجاز تركيا شحنة أسلحة إيرانية متجهة إلى «حزب الله» في لبنان. في هذه الأثناء نجد العلاقات التركية الإسرائيلية قد وصلت ذروتها في عام 1996، وهو ما يعزز دعم تركيا من قبل كل من أمريكا وإسرائيل في مؤسسات التمويل الدولية، فضلاً عن تلبية إسرائيل لطلبات تركيا في حصولها على الأسلحة المتطورة دون أدنى مشكلات تتعلق بحقوق الإنسان! بغض النظر عن ملف «وردة الأناضول» السري لدى «الموساد» الإسرائيلي.
من جهة أخرى تبرز العلاقات الدولية الإيرانية المشتركة بين كل من روسيا والصين والهند، فضلاً عن علاقات أخرى هي الأكثر إثارة للجدل كالعلاقات الإيرانية - العراقية واللبنانية والسورية، ناهيك عن العلاقات مع بعض القوى والأحزاب السياسية في البحرين واليمن، وما تشكله من تدخلات في شؤون كل منهما. مع الأخذ في الاعتبار قضية «جزر الإمارات» وكثير من القضايا داخل الملف الإيراني وأبرزها المفاعل النووي!
تكتلات لهكذا قوى سياسية في كلا الجانبين تبرر اعتذار إسرائيل من تركيا، في محاولة لتعزيز قوة كل من الأولى وأمريكا، باعتبار تركيا داعماً لهما على عدد من الأصعدة، ومدعومة من قبلهما على صعد أخرى. ولعل التهديدات الإيرانية بشأن مضيق هرمز فضلاً عن مفاعلها النووي المثير للقلق الدولي، سببان رئيسان ومحركان للم الشمل بينهما، وفقاً للمصالح السياسية والاقتصادية المشتركة.
تتمثل قاعدة الطاقة في العالم وقلب التجارة العالمية في عدد من القنوات «هرمز والسويس وباب المندب»، إذ يعبر الأولى وحدها 40% من نفط العالم يومياً، وهو ما يمنح إيران مزيداً من القوة الفاعلة وثقلاً من شأنه تشكيل تهديد كبير على المصالح الأمريكية في المنطقة، خصوصاً في ظل الهيمنة الأمريكية غير المباشرة على ثروات الخليج.
لطالما تعاملت أمريكا مع ثروات الخليج ونفطها كجزء لا يتجزأ من ثرواتها، يؤكد ذلك استخدامها ذلك النفط كصفقة مساومة وضغط أمريكية على الصين من أجل قبولها العقوبات المقررة على إيران!!
لقد جعل النفط من دول الخليج العربي عرضةً للاستغلال، في معادلة استثنائية غريبة. حيث أصبح المشتري «أمريكا» أكثر سيطرةً على السوق ومهيمناً في المنطقة، لاسيما بعد أن تعرضت دول الخليج العربي للابتزاز على عدة أوجه، أهمها الحاجة للحماية من الطامعين بتلك الثروات.
أما فيما يتعلق بالمفاعل النووي الإيراني، فلعل تركيا من أوائل الذين استشعروا بخطورة ذلك على مصالحها، ورأت في نجاح تخصيب اليورانيوم تهديداً لأمنها القومي، إلى جانب التأثير السلبي المحتمل على معدل نموها الاقتصادي، ما يدعو تركيا لتغليب مصلحتها -كالعادة- متغاضيةً عن تاريخ خلافات طويل جمع بينها وبين إيران، لتعمل جاهدة على التهدئة والتدخل في ذلك البرنامج عبر استضافة جولات محادثات بشأن ملف طهران النووري جمع بين مجموعة «5+1» وإيران على الأراضي التركية، ولكن من دون جدوى.
العلاقة شائكة بين تركيا وإيران، تميزها المصالح المتنافرة بين الطرفين، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً الخليج، نظراً للأطماع المشتركة: «محاولة تركية لإعادة الدولة العثمانية» و»محاولة إيرانية لإقامة الإمبراطورية الفارسية تحت غطاء الجمهورية الإسلامية، ونظام ولاية الفقيه العالمية». مثل هذه العلاقة تبرر اعتذار إسرائيل من تركيا في محاولة لموازنة القوى، والتصدي كذلك للخطر الإيراني على إسرائيل، فضلاً عن المواجهات القوية التي قد تتعرض لها كل من أمريكا والأخيرة من المجتمع الدولي المؤيد لإيران إذا ما قررت تطبيق العقوبات عليها، إذ ضمت إيران بين جناحيها قوى لا يستهان بها نحو روسيا، فضلاً عن الصين «مارد النهوض» الذي تهابه أمريكا، والهند في نموها الأخير المذهل.
ينذر هذا بصراع شرق أوسطي جديد، ولعل المباراة القادمة المحتملة ستقام مجدداً على أراضي الخليج العربي، لتشتد وطأة المنافسة بين كل من إيران وتركيا، في حضور رفيع المستوى يضم كلاً من أمريكا وإسرائيل والصين وروسيا والهند، وغيرهم كثير!!