الرأي

قلبي على الكويت

نوافذ

إحدى صور الكويت كما تناقلتها اليوم وسائل الإعلام هي «جرح أربعة أشخاص على الأقل واعتقال ستة آخرين (الإثنين) في الكويت إثر مواجهات بين شرطة مكافحة الشغب ومتظاهرين من المعارضة كانوا يطالبون بإصلاحات سياسية وينددون بمحاولات الحكومة تعديل القانون الانتخابي. وفي أول مواجهة بين الشرطة والمحتجين هذا العام، استخدمت الشرطة العصي لمنع المتظاهرين من الانضمام إلى تجمع كان يضم حوالي خمسة آلاف شخص في ساحة بالقرب من البرلمان كانت مسرحاً لعدة مظاهرات احتجاج مناهضة للحكومة منذ العام الماضي. وتسمح السلطات الكويتية بإقامة التجمعات لكنها تمنع المظاهرات. وقال شهود في مظاهرة الاحتجاج -حيث انتشرت شرطة مكافحة الشغب- إنهم رأوا محتجين يتم اعتقالهم، وأضافوا أن عدداً من الأشخاص بينهم عناصر شرطة أصيبوا بجروح حينما اشتبك المتظاهرون مع الشرطة في شارع وضعت فيه متاريس».
صورة أخرى تكمل الأولى تقول «بعد أن كسرت المعارضة السياسية في الكويت خطاً أحمر في أسلوب مخاطبتها للقيادة السياسية، عادت لتكسر خطوطاً حمراء فتحول تجمعاً نظمته إلى مسيرات فاحتكاك مع أجهزة الأمن وإصابات واعتقالات. وهكذا تدخل الكويت دائرة تصعيد سياسي (وأزمة ثقة) بين المعارضة والسلطة ممثلة بالأسرة الحاكمة لم تعهدها من قبل عنوانه اليوم (وضع سياسي غير مستقر)، الأمر الذي يرى مراقبون أنه أدى إلى حالة من التشاؤم وسط المواطنين».
باختصار شديد، وقبل الدخول في أي تحليل سياسي يحاول فهم تلك الحالة الكويتية واستقراء مستقبلها القريب، يمكن القول إن الأوضاع في الكويت بين السلطة والمعارضة تطورت إلى درجة حادة قطعت حبل الحوار السلمي المتوازن بينهما، وهو الذي كان مستمراً منذ أن نالت الكويت استقلالها في مطلع الستينات في القرن الماضي. وتحولت مفردات الحوار السلمي القائم بين الاثنين إلى لغة الصدام العنيف الذي بات ينظم العلاقة بينهما.
مراجعة سريعة للأحداث الكويتية التي تسارعت خطواتها خلال الأسبوعين الماضيين تكشف مجموعة من الحقائق والتوقعات التي يمكن رصد الأهم منها في النقاط التالية:
1. أن الكويت اليوم لم تعد تلك التي عهدناها منذ الاستقلال وحتى الغزو العراقي لها في مطلع التسعينات من القرن الماضي، حيث كانت العلاقة بين المعارضة والسلطة قائمة على أسس سلمية تفرض على الطرفين نبذ العنف والقبول بالحوار عبر المؤسسات التشريعية والدستورية القائمة. وشكلت الصدامات العنيفة التي عرفتها الكويت خلال تلك الفترة استثناءات مؤقتة لا تلبث أن تخرج منها البلاد معافاة كي تبدأ دورة السلم الاجتماعي في العودة إلى سابق عهدها، وتعود الأمور إلى نصابها من جديد.
2. أن الرفاه الاجتماعي لم يعد صمام الأمان الذي يمكن أن تركن له سلطات الدول النفطية كي تضمن صمت المواطنين على الكثير من التجاوزات التي لم تعد مقبولة بفضل التطور السياسي والفكري الذي عم المنطقة، سواء من خلال مسيرة التقدم التقليدية التي كانت نتيجة طبيعية لحركة التنوير التي صاحبت النهضة التعليمية والاقتصادية التي عرفتها الكويت خلال النصف القرن الماضي، أو بتأثير القفزات الفكرية التي ولدتها ثورة الاتصالات والمعلومات، ومن بين الأهم فيها تلك المصاحبة لشبكات التواصل الاجتماعي التي هشمت الحدود الجغرافية التي أصبحت خانقة وتجاوزت قوانين التأثيرات الزمنية التي باتت ضيقة.
3. أن النظام السياسي القائم في الكويت، والذي تعود جذوره إلى الستينيات من القرن الماضي، رغم تقدمه على كثير من الأنظمة العربية الأخرى المجاورة، لكنه لم يعد اليوم يتمتع بالبريق ذاته، ومن ثم فقد بات هو الآخر بحاجة إلى تحديث وإعادة رؤية متطورة قادرة على هيكلته من جديد، كي يأتي مناسباً للتطورات التي شهدها العالم بشكل عام، والكويت على نحو خاص.
بل يمكن القول إن التحولات الكمية الإيجابية التي تراكمت خلال تلك الفترة، التي نتحدث عنها، بدأت تعطي أوكلها، وأصبحت بحاجة إلى تلك النقلة النوعية المطلوبة التي تضمن الانتقال من حالة معينة إلى أخرى أكثر تطوراً.
4. أن إعادة الهندسة للنظام السياسي الكويتي لا ينبغي أن تقف عند حدود السلطة القائمة فيه فحسب، بل لابد لها إن أريد لها أن تكون شاملة ومتكاملة وبأفق مستقبلي، أن تتناول القوى المعارضة أيضاً، فهي الأخرى أصبحت اليوم بحاجة إلى الوقوف أمام المرآة وبتجرد كامل كي تكتشف الأسباب التي أدت إلى أنها خلال تلك الفترة التي تزيد على نصف قرن لم تتمكن من تشكيل الكتلة السياسية / الاجتماعية الحرجة، التي بوسعها أن تنتزع المزيد من المكاسب لصالح تطوير العمل السياسي في الكويت دون الحاجة إلى أن تصل الأمور إلى الصدامات العنيفة.
5. أن الأمور في الكويت وبفضل عوامل خارجية إقليمية ودولية، ليست بالضرورة كويتية محضة، قابلة للتطور نحو حالة أكثر عنفاً، وربما تسير نحو الأسوأ، فنشهد تصعيداً غير متوقع خلال الأيام القليلة القادمة يتنامى مثل كرة الثلج المتحدرجة، التي تكتسب زيادة في السرعة وتنامياً في الحجم بفضل تلك العوامل الخارجية، فتصل إلى نهايات يصعب التكهن بها في المرحلة الراهنة، لكنها دون شك لن يكون في وسعها أن تحصر نفسها في نطاق متطلبات الأوضاع المحلية فحسب، بل لا بد لها أن تتفاعل مع مستحقات الأوضاع الإقليمية أيضاً، وعلى وجه التحديد في إيران ومصر.
في الستينيات من القرن الماضي وعندما أوصدت في وجه المعارضة الخليجية كل أبواب العمل السياسي، باستثناء ذلك السري منها، كان في الخلايا السرية للتنظيمات المعارضة مجموعة من الأخوة الكويتيين، الذين كانوا حينها وانطلاقاً من واقعهم الذاتي يصرون على الخروج إلى العمل العلني، ويتمسكون بأساليب العمل السلمي. حينها كانت الكويت استثناء خليجياً، بل ربما عربياً أيضاً. حالات استثنائية كويتية متفرقة ظلت مستمرة في خلايا تلك التنظيمات الخليجية السرية.
اليوم تنضم الكويت إلى قائمة الدول العربية التي تسود ساحاتها السياسية لغة العنف بين السلطة والمعارضة، وتفقد الكويت الكثير من بريقها السياسي السلمي الذي رسخته تجربتها المتقدمة خلال القرن الماضي، فكانت جزيرة العمل السياسي السلمي وسط أرخبيل عربي تتلاطم أمواج بحاره وتغلي أراضي جزره.
ما يحدث في الكويت يرغمني على أن أضع يدي على قلبي خشية أن تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه ولا تسر العين رؤياه، إذ تبقى الكويت عزيزة على قلب كل خليجي، وربما عربي عندما كان يعاني من قسوة العمل السري، وكان يجد في الكويت حينها أحد الملاذات التي فتحت صدرها الحنون له.
ولعل فيما جاء على لسان النائب السابق بمجلس الأمة الكويتي وليد الطبطبائي كثير من الحكمة حين حذر منوهاً «لا أقول إنه ستحدث ثورة.. ولكن ممكن أن يتم فرض إصلاحات كتشكيل حكومة منتخبة، وأرى أن تحقيق الإصلاحات بالنقاش والتفاهم أحسن من فرضها كأمر واقع».
حفظ الله الكويت من كل سوء.