الرأي

مرسي لم يرسِ في طهران

مرسي لم يرسِ في طهران

بغض النظر عما قاله الرئيس المصري محمد مرسي في طهران وإعلان موقف مصر السياسي الحاسم فيما يتعلق بسوريا، وكذلك بسملة مرسي وترضيته عن الخلفاء الراشدين التي هزت طهران وساساتها، والتي تلتها تزوير كلمة الرئيس المصري في الإعلام الايراني، أريد أن أتحدث هنا بشكل وجيز عن تاريخ التزوير في إيران. أتحدث هنا عن تجربة حياة عشتها في هذا البلد، وكان لدي احتكاك شديد بشتى شرائح المجتمع، وكذلك بناء على ما قاله المحقق والمؤرخ الإيراني “ناصر بور بيرار” في عدة كتب تم نشرها بالفارسية، وترجمت بعدة لغات، والتي ليومنا هذا لم يستطع أحد من الكتاب والمؤرخين القوميين من الفرس أو غيرهم أن يرد على ما قاله “بور بيرار” حول دور التزوير في بناء الدولة الفارسية. يقول الكاتب بصريح العبارة بعد كشفه وثائق تاريخية في غاية الأهمية “إيران بنيت على التزوير والكذب”.
التزوير في إيران جزء لايتجزأ من العقلية الفارسية الحاكمة والمتحكمة في البلد. فمن استطاع ان يزّور بشكل أفضل فهو الذكي “الفهلوي”، والمتقدم في محيط عمله، والمحترم أكثر بين دائرة زملائه ورؤسائه. شاهدت أنا بأم العين كيف تم تزوير مناظرة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي مع رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني هاشمي رفسنجاني وذلك في 14 فبراير 2007 حيث كنت أعمل محللاً في شؤون السياسة الداخلية الإيرانية ومترجماً من العربية إلى الفارسية في “وكالة فارس للأنباء” في العاصمة الايرانية طهران. في يوم الاربعاء 14 فبراير 2007 استدعاني رئيس التحرير، وطلب مني ان لا اترك “الوكالة” بعد نهاية العمل، وننتظر أنا وأحد التقنيين، وهو كرئيس تحرير حتى تبث قناة “الجزيرة” المناظرة، ومن ثم أترجمها الى الفارسية، وأسلمها إليه حتى يقوم بنشرها على موقع “الوكالة”، وهذا ما عملته، ولكن في اليوم الثاني عندما رجعت إلى الدوام، وتابعت ما ترجمته في الليلة الماضية، شاهدت أن ما تم نشره عبارة عن كلمات وعبارات ناقصة ومنتخبة بدقة، ولكن لم أستغرب حينها، حيث كما أشرت سابقاً أن التزوير جزء من حياة الإيرانيين، ومرت علينا الكثير من هكذا أحداث.
وإذا نظرنا لتاريخ إيران وحسب ما قاله في كتبه المؤرخ والمحقق “ناصر بور بيرار” أن إيران بنيت على الكذب، يشرح المحقق تاريخ تأسيس الدولة الفارسية منذ نزوح الفرس “الأريين” من جنوب صحراء سيبريا الجليدية إلى أراضي بابل “العراق” وعيلام “الأحواز” وسيلك “مقاطعة أصفهان” ومارليك “مقاطعات شمال إيران المطلة على بحر قزوين”، وغيرها من حضارات فيما تسمى اليوم بـ “هضبة إيران” واحتلالها من قبل الفرس وبمساعدة مباشرة من بني إسرائيل.
وهنا بموجز الحديث وحسب الأهمية، ننظر إلى ما تم تزويره على يد الفرس، تزوير التاريخ الإسلامي والعمل على الشقاق بين صفوف المسلمين وعلى وجه الخصوص تزوير أحداث ما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وصناعة المواجهة بين عمر وعلي رضي الله عنهما، والتي لاوجود لها أساساً في تاريخ الإسلام.
التزوير الآخر ذات الأهمية حدث في التاريخ المعاصر، وهو تزوير وثيقة تحت مسمى “وصية القيصر” الروسي وبتوقيع مزور من قيصر الروس الخامس بيوتر ألكسييفيتش رومانوف “9 يونيو 1672 - 8 فبراير 1725” والتي تشير تلك الوصية المفبركة إلى “أن من واجب روسيا أن تعمل على تضعيف إيران حتى نستطيع نحن الروس أن نصل إلى المياه الدافئة”. وظلت هذه الوثيقة المزورة ليومنا هذا مصدر رئيسي للكثير من الكتاب والمحللين الاستراتيجيين والسياسيين وغيرهم، بينما تم تزوير هذه الوثيقة على يد سياسي فرنسي بطلب من سياسي فارسي، وعملت على توزيعها بريطانيا وذلك بناء على تسابق القوى الكبرى وتقسيم النفوذ بينها في إيران آنذاك “حسب موقع الدبلوماسية الإيرانية لصاحبه صادق خرازي سفير إيران (السابق في فرنسا).
كذلك من أهم ما تم تزويره في إيران، ومن بين آلاف الوثائق المزورة كتاب “”شهيد جاويد “ “الشهيد الحي”“ لصاحبه آية الله نعمت الله صالحي نجف آبادي حيث يشير الكاتب إلى ما حدث في كربلاء، ويصف معركة “الطف” الواقعة في سنة 61 للهجرة، بالدفاع عن النفس من قبل الإمام الحسين وأصحابه. كما يصف عدد الذين استشهدوا مع الإمام الحسين بـ 72 شخصاً وكذلك عدد قتلى القوات المهاجمة بـ 88 شخصاً على خلاف ما يذكر هنا وهناك في كتابات البعض بالآلاف من القتلى.
تم تزوير هذا الكتاب على يد قوات الأمن الإيراني “السافاك” في زمن الشاه حيث غير “السافاك” الكثير من المفاهيم والحقائق التي يشير إليها الكاتب، وبدل ما كتبه المؤلف بخرافات كبيرة وكثيرة من ضمنها إهانات إلى كل ماهو عربي ونشر بنفس الإسم في إيران بعهد الشاه.
للتزوير تاريخ طويل في إيران، تمتد جذوره إلى حيث مجيء الفرس من سيبيريا، إلى هذه المنطقة، وتحريف ما قاله الرئيس مرسي ليس أول تحريف لدى الإيرانيين، ولن يكون الأخير، وما ذكرته هنا ما هو إلا قطرة من بحر، ولكن الأهم في الحدث أن مرسي لم يرسِ في طهران، وكشف الكثير من ألاعيب الدولة الفارسية، وهذا بحد ذاته إنجاز كبير للدول الإسلامية والعربية حيث عرفت هذه الدول “إيران الفارسية” على حقيقتها.