الرأي

أدوات المشروع الإيراني في المنطقة العربية (3)

أدوات المشروع الإيراني في المنطقة العربية (3)

شكل اكتشاف محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن (عادل الجبير) العام الماضي ردود فعل ناقدة لسياسة وزارة الخارجية والحرس الثوري من قبل دبلوماسيين سابقين وسياسيين وكتّاب وصحافيين إيرانيين، كان من بينهم السفير الإيراني السابق في المكسيك محمد حسن قديري ابيانة، حيث وجه نقداً لاذعاً لدور الحرس الثوري في إدارة وزارة الخارجية. وقد أيد السفير ابيانة ضمنياً ما كان قد نشرته الصحافة المكسيكية في عام 2008 عن قيام الحرس الثوري الإيراني بدعم عصابات مافيا المخدرات وتهريب السلاح في المكسيك. حيث كانت صحيفة «اونيورسال» المكسيكية قد اتهمت في تقرير لها نشرته بتاريخ 17/07/2008 عن قيام قوات من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بفتح معسكر في شمال المكسيك لتدريب عصابات إرهابية ومافيا تهريب السلاح والمخدرات. واتهمت الصحيفة السفارة الإيرانية في المكسيك بمساعدة الحرس الثوري على تزويج أعضاءه من مكسيكيات ومن ثم تغيير أسماءهم للحصول على الجنسية المكسيكية لتسهيل تحركاتهم في أمريكا اللاتينية، وأكدت الصحيفة أن السفارة الإيرانية تقوم على تنظيم المعارض والمؤتمرات الثقافية وحفلات التعارف تدعو لها شباناً وفتيات مكسيكيين بهدف بناء علاقات بينهم وبين عناصر الحرس الثوري.
هذا الأمر مطابق لما كانت تقوم به السفارات الإيرانية في كل من سورية ولبنان مطلع الثمانينات، حيث كانت تقوم على تزويج عناصر من الحرس الثوري بفتيات لبنانيات وسوريات لغايات عديدة منها؛ تعلم عناصر الحرس الثوري اللغة العربية بلهجات سورية ولبنانية، وحصولهم على الجنسية وجوازات سفر لبنانية، والنفوذ في المجتمع والتغلغل في المؤسسات والجمعيات والحركات السياسية والاجتماعية.. ومآرب عديدة أخرى.
علماً أن هذا الأسلوب الإيراني لم يقتصر على الدول التي مر ذكرها؛ بل إنها تمارس اليوم في العديد من دول شمال أفريقيا، ولا سيما في السودان تحديداً، حيث نجد الوجود الإيراني يضرب جذوره بقوة في هذا البلد العربي الذي أنهكته الحروب الداخلية، وجاءت إيران لتستغل فقره وضعفه. فعلى سبيل المثال نجد أن إيران قد قامت بفتح أربع مدارس في السودان، إضافة إلى جامعتين وأربعة معاهد والعديد من المراكز الثقافية في عدة مدن سودانية.
وهذا ما يثير التساؤل عن الهدف الحقيقي من وراء كل هذه المدارس والمعاهد والجامعات والمراكز الثقافية الإيرانية، والتي جميعها تدرس باللغة الفارسية رغم أنه لا توجد جالية إيرانية في السودان تحتاج إلى هذا الكم الكبير من المؤسسات التعليمية. فالإيرانيون في السودان هم في الغالب عناصر الحرس الثوري العاملون في المؤسسات الخدمية الإيرانية من قبيل مؤسسة جهاد البناء ومؤسسة الخميني للإغاثة، إضافة إلى جمعية الهلال الأحمر، والعاملون في هذه المؤسسات لا يتجاوز عددهم أكثر تقدير عن بضع مئات، وهنا يأتي البحث عن الهدف الحقيقي لوجود كل هذه المؤسسات التعليمية الإيرانية في السودان، خصوصاً بعد أن بدت إيران متيقنة من أنها باتت تفقد وجودها في سورية، والتي كانت بالنسبة لها تمثل مركز تجمع لكل أدواتها وعناصرها المكلفة بإنجاز المشروع الإيراني وقاعدة انطلاق نحو الشمال والجنوبي العربي.
إن تغافل الوجود الإيراني في السودان أكبر خطاء استراتيجي ترتكبه الدول العربية عامة والخليجية منها خاصة، فقد جربت هذه الدول من قبل التبعات التي لحقت بها من وراء الوجود الإيراني في سوريا ولبنان، ولهذا عليها ألا تسمح لهذه الأخطاء أن تتكرر في السودان.
.. وللحديث بقية