الرأي

مسارات أوباما المحتملة للتعامل مع الملفات الخليجية

مسارات أوباما المحتملة للتعامل مع الملفات الخليجية

هناك مفاهيم مفتاحية لدراسة السياسة الخارجية الأميركية؛ لعل أهمها أن علاقات الولايات المتحدة مع دول العالم تعتمد على مصالحها لا على المودة مع شعوب العالم وأمريكا أو بين زعماء الطرفين، كما إن ثباتها النسبي مقارنة بسياسات دول أخرى تعد من أهم أركانها. لذا فقد لا نملك في الخليج العربي ترف مناقشة سياسة واشنطن الخارجية بعد التجديد لأوباما، فليس لنا خيار إلا إظهار الود لحليف لا نملك غيره. كما تجدر الإشارة إلى مفاهيم مفتاحية أخرى تتبع كل انتخابات رئاسية أميركية؛ أولها التهنئة الخليجية السريعة ، وكان بعضها مفصلاً فيما كان البعض الآخر مقتضباً جداً. أما الأمر الآخر، فهو «أن الرئيس الأميركي في فترة ولايته الثانية يكون أكثر قدرة على تنفيذ المهام الكبرى»، وقد خاض في هذا الأمر كل من امتشق وسيلة من وسائل الإعلام مقرعين أوباما مسبقاً على كل فشل قد يحدث، وقد كان آخر من «عايره» بهذه الحقيقة د. نبيل العربي أمين الجامعة العربية، حتى اعتقدت أن «أبو بكر شينكو» زعيم جماعة بوكو حرام سينهي تخفيه ليذكر أوباما بذلك! ففي فترة رئاسته السابقة اتهم كثير من المحللين الرئيس باراك أوباما بانتهاجه إطار «الصّفقات» لتسوية القضايا المحيطة بالخليج العربي، ومما يقلقنا أن معظم تلك الصفقات لا زالت في منتصف مراحلها، فيما تظهر قضايا أخرى لن ينفع معها أسلوب الصفقات، فما هي الملفات التي تمس أمن الخليج في حقيبة أوباما؟
1- مواجهة التحدي الإيراني؛ حيث صرح ذات يوم «لن أسمح لإيران في عهدي بامتلاك سلاح نووي» وهذا الحزم تحكمه أمور منها؛ أ- كثرة الضغوط التي يواجهها ستدفعه لوضع سياسة أكثر حزما للوقف الفوري لقدرة ايران على تخصيب اليورانيوم، ب- ضرورة رد التحدي الإيراني للسياسة الأمريكية في سوريا والعراق ولبنان وحتى اليمن والسودان، ج- ستكون سوريا ساحة المواجهة القادمة ومن يحسمها لصالحه ينتصر في صراع الإرادات، د- قد يستغل أوباما المماحكات الخفية الدائرة بين نجاد وخامنئي. فغريزة البقاء تدفع كليهما لأخذ زمام المبادرة لفتح باب التفاوض مع واشطن، هـ- قد ينتظر أوباما نتائج الانتخابات الإسرائيلية في يناير 2013، فلعل وصول متطرفين صهاينة لتل أبيب يثير مخاوف طهران ويغير من تعنتها، ومثلها الإيرانية في يونيو 2013 وقد تكون فرصة لأوباما لاختراق الستار الفارسية الثقيلة عبر دعم الإصلاحيين، وهو الأسلوب الذي نفضلة في الخليج مع العقوبات الاقتصادية بدل العمل العسكري.
2- في سوريا يرى أوباما ضرورة استكمال الغطاء السياسي، لكن نشر ذلك الغطاء لن يتم إلا عبر أعمدة؛ أحدهما قاعدته طهران ويتطلب تسوية بصفقة حول برنامجها النووي، والعمود الآخر في دول مجلس التعاون سواء بالدعم السياسي أو بزيادة حجم الأسلحة للمعارضة في صناديق خليجية، فما موقفنا من تلك الصفقة التي تعني التنازل الأميركي لإيران في مكان آخر، وإمكانية وصول جماعات يقلقنا وصولها للحكم في دمشق وقد تتسبب في انقلاب المشهد الاستراتيجي.
3- أظهر الربيع العربي ارتباك واشنطن في البداية، ولم نقلقل على ذلك بقدر قلقنا من استعادتها لاتزانها وعودتها لعقد الصفقات مع مخرجات الربيع العربي من أحزاب إسلامية شمولية كالإخوان والسلفيين والأحزاب الشيعة في العراق خاصة، أو حراك شبابي لا رأس له مما يجعله سهل الانقياد حين الإمساك بأحد أطرافه. فقد عمدت واشنطن وستستمر في تنظيم ورش العمل في السفارات الأميركية للشباب عن القيادة والحراك الشعبي والمطالبة بالحقوق، في حين قد لا ينقصهم شيء من ذلك، وما يقلقنا أن ما يجري هو تنفيذ لخارطة طريق صرح بها أوباما في مايو 2011 وطرح خلالها فكرة تقديم الدعم للديمقراطيات الجديدة.
4- لكون النفط مفتاح العلاقات الخليجية الأميركية؛ يراهن صناع القرار الخليجي على عدم ظهور خريطة تحالفات جديدة تفرض نفسها في المنطقة وتستثنيهم، لكن نفطنا في الوقت نفسه هو جرعة المغذي لدى أوباما لتقوية الاقتصاد الأميركي العليل، وخفض النفقات مع زيادة الضرائب يعني انخفاض قيمته والتقليل من صادراته وهبوط قيمة عملتنا المرتبطة بالدولار، وعزاؤنا الوحيد أن خطة أوباما تعني استمرار الاعتماد على نفطنا حتى 2014 فهل تدبرنا أمرنا بعد ذلك!
5- رغم فشلها في ترجمة المبالغ الضخمة التي نصرفها لتصبح قوة عسكرية فعالة؛ فإن واشنطن مازالت ترى أن بيع السلاح لنا هو الطريقة المفضلة للخروج من الأزمات الاقتصادية، وقد أثبتنا أننا المنقذ لها في فترات الانكماش الاقتصادي، وعليه سيستمر أوباما في تنفيذ أكبر صفقة أسلحة في تاريخ أميركا طرفها الآخر دول الخليج من الكويت شمالا حتى عمان جنوبا.
في فترة رئاسته الأولى أخفق الرئيس أوباما في حفظ أمن الخليج، فإيران لا زالت تنتج اليورانيوم وتقوم بمناورات عسكرية كل أسبوعين، ودون تدخل عسكري أو صفقة مع الصين وروسيا ستستمر جرائم الأسد وستستمر كماشة طهران، دمشق، في قضم كل جهد خليجي لوقف القتل هناك، بل إن واشنطن أظهرت بما لا يدعو للشك إمكانية تعاملها مع كل تغيير سياسي يحدث في المنطقة بأسلوب براغماتي بارد، بل إن النفط وهو جسر التواصل بيننا سيتحول إلى الحقنة التي يعول عليها أوباما بعد فوزه بولاية ثانية لمعالجة الاقتصاد الأميركي مما يعني انتقال الوهن لاقتصادنا، سواء جراء ارتباطه بالدولار أو لامتصاص حيويته بصفقات السلاح الأميركية.
أما في مطلع ولايته الثانية فلم يرجح أوباما أن يولي اهتماما لدول الخليج في القريب العاجل، فقد تحول اهتمام إدارته للتحديات الأمنية والسياسية في منطقة جنوب شرق آسيا، وإذا لم يكن هناك تحرك خليجي مشترك حيال الملفات الأمنية مع واشنطن فلن يبقى لنا إلا انتظار نتائج الصفقات التي يعقدها مع طهران ودمشق، فهل نفهم تلميحاً بحجم بعير!