الرأي

الإمارات.. لماذا الآن؟! «4»

ورق أبيض

كانت (البرجماتية) الشديدة التي اتصفت بها سياسة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين سبباً في اتساع الهوة بينه وبين المحيط العربي والخليجي، ومنذراً بعلاقات متوترة ستصل إلى ما لا يحمد عقباه، ففي الوقت الذي كان العالم العربي يواجه خطة تصدير الثورة التي أعلن عنها الخميني، والتي ارتبطت بالكثير من المآسي الدامية في ذلك الوقت، كانت أيدلوجيا الجماعة هي التي تسير التنظيم دون الالتفات إلى أي جوانب أخرى.
ولعل أهم تلك المواقف كان اصطفاف الإخوان المسلمين مع الثورة الإيرانية في حربها ضد العراق ودول المنطقة، وهو لم يكن اصطفافاً معنوياً؛ بل كان يرتقي إلى مصاف العلاقات الكاملة بما فيها من مصالح تجارية للالتفاف على الحصار المضروب على نظام الخميني، وما صفقات القمح والشعير والحديد.. الخ إلا أحد نماذج هذا التعاون، والتي اعترف بها صراحة يوسف ندا (رئيس وزراء الإخوان المسلمين ووزير ماليتهم) آنذاك وصهر الشيخ يوسف القرضاوي.
وكان منظرو التنظيم يرون في الرئيس العراقي صدام حسين -رحمه الله- وحزب البعث الحاكم في العراق نظاماً (كفرياً) وجب التصدي له، ولم يك شيء ليوقف هذا التعاون غير المحدود حتى هجوم آية الله خلخالي، قاضي الثورة، والذي عرفه الشعب الإيراني بـ(الجزار)، حيث شن هجوماً تكفيرياً لاذعاً على الإخوان المسلمين غداة زيارته لسوريا في أعقاب مذبحة حماة الشهيرة في مطلع الثمانينات، والهجوم الآخر الذي لا يقل عنه ضراوة والذي شنه رفسنجاني ضد الجماعة، مضافاً إليه دماء سنة إيران ودستور الجمهورية الإسلامية الذي لا يدع مجالاً للشك أن إيران غير راغبة في أي وحدة إسلامية، وأن علاقتها بهم كانت ذات استخدام محدود نكاية بالدول العربية، كما حدث عندما سمت طهران أحد شوارعها باسم خالد الإسلامبولي، قائد فرقة اغتيال السادات، واستخدام أصوات منابر الإخوان للنيل من خصوم إيران في المنطقة من القيادات والحركات المناوئة لها.
كل ما سبق، وغيره كثير، أسقط أحد أهم ما كان يبرر به الإخوان المسلمين تلك العلاقة الشائنة، وغاب صوت الإخوان بالكلية عن إحدى أهم المواقف التي يندى لها جبين الإنسانية، عندما قامت مليشيا حركة أمل بحصار المخيمات الفلسطينية في لبنان أواخر الثمانينيات الميلادية، ورد الخميني وفداً إسلامياً رفيعاً طمع في تدخله لحفظ حياة آلاف الفلسطينيين الذين تحاصرهم حركة أمل الشيعية، حيث قتل في الحصار ما لا يقل عن ثلاثة آلاف فلسطيني، ويكفي التذكير بأنه في ذلك الحصار أصدر شيوخ دين لبنانيون وفلسطينيون فتاوى أباحوا فيها لسكان المخيمات بأكل لحوم الكلاب والقطط لتعذر دخول المواد التموينية بعد نفاذها تماماً.
ولعل الصدمة الكبرى كانت في الانتقال السريع للإخوان المسلمين لمعسكر صدام حسين (الكفري) بعد غزوه للكويت، ما عدته الدول الخليجية طعنة أخرى تضاف لرصيد الطعنات السابقة، وموقفاً يؤكد أن التنظيم الإخواني لا يقيم وزناً لاعتبارات أخلاقية وشرعية ولا للمصالح التي كانت قد ازدهرت في الدول الخليجية بعد عقود من العمل المنظم، خصوصاً في ظل الأوضاع التي ذكرتها في الحلقة الثانية من هذا المقال، من فترة الجهاد الأفغاني وسطوع نجم قيادات إخوانية في تلك المرحلة كعبدالله عزام وبقايا تنظيم التكفير والهجرة الذي خرج من عباءة الإخوان.
وما أن انفض سامر مرحلة الجهاد في أفغانستان وما تلاه من ملاحقات أمنية للعائدين من جبالها إلا وأصبحت العاصمة البريطانية لندن، التي لم تكن جديدة على الإخوان المسلمين ولا على الإيرانيين، محطة مهمة تحتضن الحركيين من أبناء التنظيم وليتحولوا من مجرد أسماء لاجئة إلى مدينة تجمع أسماء لامعة كراشد الغنوشي وكمال الهلباوي والكثير من الأسماء ذات الارتباط بملف الإخوان في الإمارات العربية المتحدة، وهذا محور حديثنا التالي..
.. وللحديث بقية